الصباح الجديد ـ متابعة:
تسعى جماعة “هيئة تحرير الشام” التي تسيطر على منطقة إدلب في شمال غربي سوريا إلى إظهار أنها أصبحت حركة إسلامية معتدلة، وذلك بغرض الحصول على الدعم من السكان المحليين واعتراف أميركا وبقية دول العالم كمنظمة سياسية لا علاقة لها بالتطرف والقمع، وفقا لصحيفة “واشنطن بوست”.
وكانت تلك الحركة، المعروفة سابقا باسم جبهة النصرة، قد أعلنت انشقاقها عن تنظيم القاعدة وأنها لم تعد تتبع له، ومع ذلك فإنها لا تزال مصنفة جماعة إرهابية في الولايات المتحدة وعلى قوائم الأمم المتحدة والعديد من دول العالم.
ويرى محللون أن هيئة تحرير الشام كانت براغماتية، إذ أنها أدركت حاجتها إلى حاضنة اجتماعية محلية وإلى اعتراف دولي بها، ولذلك بدأت باستخدام خطاب معاد للتطرف والإرهاب.
وفي هذا الصدد يقول عروة عجوب، كبير المحللين في مركز التحليل والبحوث التشغيلية، وهو مؤسسة استشارية في مجال المخاطر السياسية، إن هدف ذلك التنظيم الذي يقوده “أبو محمد الجولاني” هو ضمان مكانتها بين كوكبة الأحزاب المتنافسة على السلطة في سوريا عقب انتهاء الصراع فيها.
وتزعم تلك الجماعة في الوقت الحالي أن تركيزها منصب على تقديم الخدمات الضرورية لنحو 4 ملايين شخص يسكنون في تلك المنطقة ومعظمهم من النازحين الذين فروا من مناطق نفوذ بشار الأسد، وذلك عبر ما يسمى حكومة الإنقاذ، وهنا يوضح، عبدالله كليدو، الرئيس التنفيذي لإذاعة “راديو فريش” والتي توصف بأنها آخر الأصوات المستقلة في تلك المنطقة: “هذا الفصيل الذى اعتاد مضايقتنا يحاول أن يظهر للناس أنهم معتدلون. إنهم يحاولون تنظيم الأمور بحيث تظهر على صورة دولة”.
وكانت هيئة تحرير الشام قد جرى اتهامها باغتيال مؤسس تلك الإذاعة في العام 2018 وذلك بعد مضي خمس أعوام على إنشائه لذلك المنبر الإعلامي في العام 2013، الذي استقطب عقول وأسماع الكثير من السوريين في منطقة خفض التصعيد لتستمر في عملها رغم المضايقات الكبيرة التي تعرضت لها من الحركة الأصولية بسبب إذاعتها للموسيقى والأغاني وتوظيف النساء في كوادرها.
ولكن في الآونة الأخيرة، توقفت الهجمات على المحطة، فيما يبدو أنها رسالة من “هيئة تحرير الشام” لإقناع السوريين والمجتمع الدولي بأنها قد تخلت عن نهجها المتشدد والمتطرف.
وبحسب تقرير “واشنطن بوست” تحاول الحركة إظهار أنها قد أنشأت دولة قادرة على إدارتها، إذ ينتشر عناصر شرطة المرور في الطرقات لتنظيم حركة السير، وتدير عبر حكومة الإنقاذ شؤون التعليم والاقتصاد والخدمات العامة، بيد أنها فشلت في تخفيف مصاعب الحياة اليومية في رقعة كبيرة من الأرض تضم مخيمات مترامية.
فالناس، بحسب التقرير، تشكو الغلاء وارتفاع الأسعار وفرض الضرائب المجحفة على مزارعي الزيتون، بالإضافة إلى مضايقة الإعلاميين والصحفيين المحليين الذين ينتقدون الحركة أو حكومة الإنقاذ التي تزعم أنها تعمل بشكل مستقل عن تلك الجماعة.
ويصف المتحدث باسم هيئة تحرير الشام، محمد خالد، العلاقة بين الهيئة والحكومة بأنها “شراكة” جرى تصورها في عام 2016 لتوفير حياة كريمة لسكان إدلب وكذلك لإظهار أن هناك “بديل لنظام الأسد” في دمشق.
ومع ذلك فهناك بعض الجوانب الإيجابية التي طرأت على سلوك هيئة تحرير الشام، بحسب كلام كليدو، فعلى سبيل المثال خف ظهور عناصر شرطة الأخلاق الذين اعتادوا العمل دون عقاب وعلى مضايقة النساء في الشوارع بسبب لباسهن، مضيفا: “ولكنهم في الوقت الذي خففوا فيها من أيدلوجيتهم المتشدد ضاعفوا من الإجراءات البيروقراطية”.
ويضيف مستدركا: “على أية حال بعض البيروقراطية أفضل من الفوضى”.
وفي معاناة أخرى، يوضح أسامة شومان وهو أحد عناصر الحركة ويبلغ من العمر 24 عاما، أنه استطاع أخيرا أن يوثق زواجه رغم أن ذلك العقد لن يكون معترف به خارج إدلب، ولكن بالنسبة له المشكلة الأكثر إلحاحا هي الفقر، مشيرا إلى أنه يعيش مع 15 من أفراد أسرته في شقة صغيرة غير مكتملة البناء.
أما في مجال القطاع المدرسي، فتشرف وزارة التعليم على حوالي نصف مليون طالب يدرسون في مبان متهالكة تحتوي على فصول مكتظة.
ويقول وزير التعليم، بسام صهيوني، إن آلاف المعلمين يعملون بشكل أساسي كمتطوعين، لأن الحكومة لا تملك الأموال اللازمة لدفع أكثر من مبلغ رمزي كل شهر. وقال: “إذا تركنا الأطفال دون تعليم، فسيكونون جاهلين وسيسقطون في قبضة التطرف”.
وقال إن المناهج الدراسية في المدارس تشمل مواد أساسية مثل العلوم والرياضيات واللغة الإنكليزية والتاريخ، وتم تشكيلها بالتشاور مع شركاء دوليين مثل اليونيسف، ومع ذلك يقول بعض المدرسين إنه جرى تقديم تنازل واحد على الأقل لإرضاء هيئة تحرير الشام ويتمثل في فصل الجنسين منذ الصف الأول الإبتدائي.
وفي وزارة الداخلية، يبدو التقسيم المضطرب للسلطة بين الحكومة وهيئة تحرير الشام واضحاً، إذ تتحكم الوزارة شكليا في بعض الوظائف الأمنية، مثل تنظيم قواعد المرور وإدارة التحقيقات الجنائية. لكن الأمور الأمنية الأخرى، مثل تلك المتعلقة بـ “الأمن القومي”، فإنها تقع ضمن اختصاص هيئة تحرير الشام، بحسب الوزير أحمد لطوف.
ويوضح عجوب، وهو واحد الباحثين العديدين الذين يرون بأن الاستبداد أصبح السمة المميزة للجماعة، أن القضايا المتعلقة بـ “الحرب والسلام والاقتصاد” لا تزال تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، لافتا إلى أن تلك الحركة استخدمت سلطتها في قمع الجماعات المتمردة المنافسة، بما في ذلك الفصائل المتطرفة، مع ملاحقة الذين تعتبرهم أعداء لها، بمن فيهم النشطاء الحقوقيين والسلميين.
وقال إنه بعد أن كتب صحفي يدعى أدهم الدشارني منشورًا على فيسبوك قبل بضعة أشهر يشكو فيه من أن الحكومة ترفض منحه بطاقة صحفية، تلقى استدعاءً للحضور إلى وزارة الإعلام. وعندما رفض، تم استدعاؤه للاستجواب ثم مثوله أمام محكمة عسكرية.
وسأل مستجوبو الدشراني عن سبب إدلائه “بتعليقات غير لائقة” حول حكومة الإنقاذ واتهموه بالتواصل مع آخرين انتقدوا هيئة تحرير الشام.
وقال في مقابلة عبر الهاتف أنه قد جرى احتجازه في سجن بمبنى مديرية الكهرباء في مدينة إدلب قبل أن يطلق سراحه بعد 15 يوما من اعتقاله، ليقول أن الحكم المخفف لم يغير رأيه في تلك الجماعة، قبل أن يضيف: “ولكني أصبحت أكثر حذرا الآن في التعبير عن آرائي”.