ميسا العمودي
علينا الاعتراف بأن نساء كثيرات في هذا العالم يخضن معارك أبعد من تلك التي تخلقها الظروف، فالقوانين ما زالت مجيرة لمصلحة الذكور مهما اعتلت المرأة مناصب قيادية، لأن ما تراكم عبر الزمن لن يُمحى في أيام.
نتابع بين حين وآخر قصصاً صادمة لخفايا الحياة الخاصة لشخصيات نسائية شهيرة ومعروفة. يبدو ظاهر تلك الحياة رائعاً وربما تحلم به كثيرات.
لا أتحدث هنا عن «وثائقي» نتفلكس الذي يتناول معاناة المغنية اللبنانية ميريام فارس خلال الحجر، والذي أثار جدلاً، بل عن تلك الأخبار المفاجئة التي تدفع المتابعين بأطيافهم كافة إلى متابعة تفاصيل الحدث وفهم ما يحدث مع الضحية سواء كانوا من معجبيها أو لا. أتحدث عن تلك القضايا التي تشهد تضامناً نسوياً وتعاطفاً إنسانياً ليس لكونها شخصية عامة بل لكونها امرأة يعتقد مقربون منها أنها ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب فيستنزفونها من دون رحمة.
لقد تابعنا في الفترة الأخيرة قصصاً مختلفة عربياً وعالمياً عن نجمات يعشن تجارب قاسية لها أثر نفسي ومهني كبير عليهن، فالفنانة المصرية شيرين عبدالوهاب التي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي باسمها بعد تسريب تسجيل صوتي لوالد زوجها حسام حبيب يتحدث فيه عن رغبة زوجها بالزواج عليها واستغلالها المادي وما إلى ذلك من تقليل من شأنها، اضطرتها التعليقات والشائعات للخروج بتسجيلات صوتية عبر «تويتر»، لتنفي وجود أي توترات تشهدها علاقتها مع زوجها وتثني عليه وعلى والدته من دون التطرق لوالده. وقبل شيرين كانت الفنانة البحرينية حلا الترك قد دخلت في صراعات عائلية مادية ظهرت للعلن، ما يبدو أنه أثر في مسيرتها الفنية بعد رفعها قضية على والدتها إثر خلاف مادي.
وقصة حياة حلا الترك تشبه إلى حد كبير تجربة نجمة البوب العالمية بريتني سبيرز في فقدان الطفولة والحياة الخاصة مقابل النجومية، فالنار المشتعلة في حياة سبيرز الشخصية لم تُخمد كما كان يعتقد البعض، إذ أُعيدت للواجهة من جديد، بعد إفادتها الأخيرة في المحكمة التي قالت فيها إنها تعيش تحت ضغوط أسرتها ووصاية والدها التي نالها بالقانون عام 2008.
لكن كيف يبدو المشهد يا ترى في الولايات المتحدة وكيف تم التعاطي اجتماعياً مع مستجدات سبيرز وما الذي أوصلها الى هذه النقطة؟
من قصة نجاح طفلة موهوبة إلى خيبة امرأة تحت وصاية والدها، هذه هي حكاية بريتني سبيرز باختصار، فتلك الطفلة التي بدأت أحلامها بتكوين أسرة كما كانت تصرح في لقاءاتها، وجدت نفسها مراهقة تعتلي خشبة المسرح وتنتقل بين بلدان العالم، لتغني وترقص وتحتفل بنجاحاتها بعيداً من صفوف الدراسة اليومية وحياة الفتيات من عمرها. وعندما حاولت أن تعيش حياتها اليومية البسيطة وتعيش حالة حب مع جاستن تمبرليك مغني البوب المعروف، وأخفقت في علاقتها مثلها مثل فتيات كثر من عمرها، واجهت نقداً إعلامياً واجتماعياً لاذعاً، صدق مشاعر حبيبها الجريح ليدافع عنه ويهاجمها بكل شراسة.
وهذا هو نفسه المجتمع الذكوري الذي قاد بريتني سبيرز إلى ما وصلت إليه اليوم، حتى إن تمبرليك، بات أحد المدافعين عنها اليوم، فمعاناة سبيرز لم تنته عند فشل علاقتها بل كانت من هناك البداية، إذ تزوجت لاحقاً وحققت حلم طفولتها بإنجاب طفلين. لكن الحياة ليست دائماً وردية، فالفتاة التي سُلبت طفولتها ومراهقتها بسبب أقرب المقربين إليها، لم تكن مستعدة لمواجهة عقبات الحياة وقسوتها، وسرعان ما انتهى زواجها في المحاكم وحرمت حضانة أطفالها، بعدما هاجمها الإعلام والمجتمع مرة أخرى، لحملها طفلها خلف مقود السيارة في أثناء القيادة، فالمرأة في هذه المجتمعات عليها أن تكون الأم التي تحمل أطفالها وتحميهم من عدسات الكاميرات إذا ما كانت مشهورة، وهي القدوة التي قد تجرح مشاعر مجتمع كامل لأبسط الإخفاقات ولن يسامحها عليها مهما فعلت!
ومنذ ذلك الحين انقلبت حياة بريتني رأساً على عقب بعد إبعادها من ابنائها، ودخولها في حالات نفسية صعبة أدت إلى نقلها إلى المستشفى مرتين، حتى وصل بها الحال للتحول من محاربة من أجل نيل الوصاية وحضانة أبنائها، إلى امرأة تمضي الثلاثينات من عمرها تحت الوصاية، بسبب القانون الأميركي الذي وضع أساساً لتطبيقه على الأفراد غير القادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم، كالمصابين بأمراض تقدم العمر مثل الخرف أو الأمراض العقلية. ما يُخول الوصي للتحكم بالممتلكات والشؤون المالية للموصى عليه، ما يعني أن سبيرز لم تعد تتحكم بشؤونها المالية منذ عام 2008، وبرغم تصريحها الذي حتماً تطلب منها الكثير من الشجاعة للمواجهة، وتفاعل المجتمع المدني مع صيحاتها وأوجاعها، إلا أن القاضية بريندا بيني في المحكمة العليا في لوس أنجلوس رفضت طلب سبيرز سحب والدها جيمي سبيرز من الوصاية يوم الأربعاء.
ربما لا تعني متابعين كثيرين قصة مغنية مشهورة وما تعانيه، فشيرين التي قالت في تسجيل صوتي أنه كان بإمكان زوجها استغلالها لولا انه «ابن ناس ومتربي»، وحلا التي تظلمت دفاعاً عن حقها وهي تائهة داخل أسرة تجد في فمها ملعقة من ذهب، وبريتني التي وصلت الى ما هي عليه نتيجة موهبتها التي قلبت حياتها وأحلامها، ما هن إلا ضحايا وحكايا عامة لقصص تعيش بيننا.
يمكن الحديث كثيراً عن الإغراءات المادية ووقوع كثيرات في براثن حب الشهرة والمال، لكن يبقى هذا العنصر ثانوياً حين تبرز محاولات محاصرة النساء المعروفات في خانة الاستضعاف لكونهن إناثاً.
حكايات شخصيات معروفة مثل بريتني وشيرين وغيرهما تختزل هذه العناصر بلا شك، لكن الابرز أنها تختصر معاناة الأنثى في استغلال من حولها لها ومواجهة المجتمعات الذكورية مهما اختلفت هويتها على حد سواء.
التعاطف مع مثل هذه الحالات ليس حتمياً كوننا لا نعرف تماماً تفاصيل حكاياتهن وخفاياها، وما إن كانت سبيرز فعلاً غير مخولة لاحتضان أبنائها أو التحكم في ممتلكاتها وحياتها لأسباب صحية، لكننا بالتأكيد أمام حكاية امرأة تعاني جراء تداخل كبير بين واقعها كامرأة وبين وقوعها في فخ الشهرة والمال.
ما يحدث مع الشخصيات المشهورة والمؤثرين انعكاس لواقعنا مهما اختلفت ظروفه وحيثياته.
علينا الاعتراف بأن نساء كثيرات في هذا العالم يخضن معارك أبعد من تلك التي تخلقها الظروف، فالقوانين ما زالت مجيرة لمصلحة الذكور مهما اعتلت المرأة مناصب قيادية، لأن ما تراكم عبر الزمن لن يُمحى في أيام.
عن موقع درج