مجيد نظام الدين كلي*
* ترجمة : ماجد سوره ميري
عندما كنت اعمل في احدى المنظمات التابعة لمالك مصارف وول ستريت في نيويورك، سألت مدير احد البنوك: ما فرق الدور الاميركي عن الدور الصيني في الاقتصاد العالمي؟ فكانت اجابته كالتالي: الصين تصنع السلع التجارية، فيما تقوم اميركا –عن طريق الاعلام- بايجاد المشترين للسلع. يعد الاعلام عاملاً مهماً لبقاء اميركا كقوة اقتصادية وسياسية مهيمنة في العالم.
في عام 2013 صدرت اميركا بما يوازي تريليوناً ونصف الترليون دولار من السلع الى الخارج وباعتها لشتى الدول العالمية. وللاخبار والافلام والفيديوكليبات دور مهم في الاعلان والترويج لمنتجات الشركات العالمية الكبرى، وجلها اميركية. يستعمل معظم الناس هواتف من آبل وهم راضون عنها. فمن الذي أسهم في البدء في اشتهار منتجات آبل ومايكروسوفت ووثوق الناس بها؟ – الاعلام.
صحيح اننا نحن من يقرر اي نوع من الهواتف الخليوية نشتري، لكن الاعلانات التجارية تقول لنا اية نوعية منها هي الافضل. تتركز اكبر شركات صناعة الاعلان في العالم في مدينة نيويورك الاميركية، وعملها الوحيد يتلخص في جعل منتجات الشركات سلعا مرغوبة. الاميركيون في المقدمة في استعمال الاعلام، لانهم يعرفون اهميته. الاعلام يصنع الرأي العام واميركا تنتج القسم الاعظم من المنتجات الاعلامية العالمية. الاعلام العالمي الذي يتركز معظمه في اميركا، يؤثر في الرأي العام العالمي ويقوم بايصال الثقافة الاميركية لداخل كل بيت في جميع بقاع الارض اذا كانت يحتوي على جهاز تلفزيون او حاسوب شخصي (لابتوب). عن طريق الانترنت والموبايل واجهزة الشبكات الاجتماعية يتواصل الملايين من الناس فيما بينهم في كل مكان في العالم. وعن طريق الاعلام العالمي نسمع عن غرق سفينة كورية شمالية وتصل الينا صورها من خلال السي ان ان والاسيوشيتت بريس على شاشات التلفزة. يتحدث رجل جالس في مقهى (مجكو) وسط اربيل عن (كيم كارديشيان) ويستعمل مطرب كردي موسيقى الراب والبوب الاميركي في اعماله الفنية.
وتخترق الاخبار والمعلومات والنتاجات الفنية الحدود بين الدول وتجعل من مواطن في السعودية ان يكون على علم بالاخبار اليومية التي تحدث في العاصمة الاميركية واشنطن. الاعلام اداة قوية جدا واذا استعمل بشكل صحيح فان الذي يعد اليوم حلماً ستجعل منه حقيقة في الغد. صحيح ان معظم دول العالم تستطيع استخدام الاعلام لحماية مصالحها الاقتصادية والسياسية، الا ان أياً منها لم يستطع ان تستخدمه كما فعلت وتفعل اميركا في خدمة مصالحها. الاعلام جعل الثقافة الاميركية ثقافة عالمية ، قليلون هم من لم يدمنوا مشاهدة ولو فيلم امريكي واحد في الاقل. الاعلام الكردي والعربي والانجليزي يعتمد في نقل الاخبار العالمية على الاسيوشيتت بريس والسي ان ان ورويترز والنيويورك تايمز كمصادر موثوقة، وهي باجمعها تتمركز في اميركا. الافلام السينمائية تنتج بمعظمها في اميركا،
اميركا تعد الاولى في العالم في الانتاج الموسيقي ونجومها معروفون على المستوى العالمي. على الرغم من الحديث عن تراجع قوة اميركا بعد الازمة الاقتصادية التي حدثت عام 2008 ونمو الاقتصاد الصيني، غير ان اميركا ما زالت المهيمنة على النظام الدولي. البحار،
نظام الطيران الدولي، الانترنت، المصارف العالمية الكبرى والاقمار الصناعية ماتزال تحت سطوة قوة واحدة، هي الولايات المتحدة الاميركية. هي الاولى في الاقتصاد وهي وحدها صاحبة ربع الاقتصاد العالمي. في السياسة معظم دول العالم تعد نفسها «حليفة» لاميركا وهناك فقط خمس دول ليست لها علاقات دبلوماسية مباشرة مع اميركا. في الجانب العسكري تمتلك اميركا اقوى جيش ميزانيته تعادل ميزانية نصف دول العالم باجمعه. يقول خبير العلاقات الدولية جون اكنبيري «لم تكن هناك قوة في تاريخ العالم تقدمت على دول العالم الاخرى في الجانب العسكري والاقتصادي والتكنولوجي والهيمنة السياسية كما تفعل الولايات المتحدة الاميركية».
الاسباب التي تجعل من اميركا اعلى قوة متنفذة ومهيمنة في العالم لا تكمن في عدد صواريخها النووية وضخامة جيشها وغنى اقتصادها، بل تكمن في تقدمها في الابداعات وجمع البيانات والقدرات اللامتناهية للحصول على الثقة وصناعة رأي عام عالمي ونشر القيم الثقافية الاميركية في العالم. الاسباب الرئيسة في التفوق الاميركي هي موضع للنقاش والتحاور الكبير، لكن لا احد يمكنه تجاهل الـSoft Power اي القوة الناعمة. الاعلام، الثقافة، القدرة على اقناع الحلفاء، الاقتصاد الخلاق، هذه كلها نماذج للقوة الاميركية الناعمة. السلاح الاميركي: الثاني الاقتصاد الخلّاق. مواقع الانترنت قد تصبح البديل للحياة الاجتماعية. الانترنت الى جانب المقاهي والاماكن العامة تصبح اماكن تستطيع من خلالها ان تكون مع اصدقائك. هذه فكرة شاب كان يبلغ من العمر 19 عاماً قبل 14 عاماً. الان استطاعت هذه الفكرة ان تصنع شركة رأسمالها 100 مليار دولار ويستعملها اكثر من مليار شخص في العالم. مارك زوكربيك اخترع موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) وموله المستثمرون الاميركيون ليطور عمله. يقول الرئيس الاميركي باراك اوباما،
بحسب تقرير خاص للبيت الابيض، عن اوضاع الاستثمار «لكي تكون ناجحاً في المستقبل يجب ان تكون اكثر ابداعاً من بقية دول العالم». عندما كانت صناعة السيارات في اميركا تسير نحو الخسارة، ازدهرت شبكات التواصل الاجتماعي والكوكل واجهزة الآبل. الابداع في مجالات قواعد البيانات والانترنت جعل من اميركا تنتقل من الاقتصاد الصناعي الى الاقتصاد الخدماتي. يقول مسؤول قسم الابداع في الحكومة الاميركية بكل فخر»الابداع هو قلب الاقتصاد الاميركي».
ولهذا اعلن الرئيس اوباما في اوائل عام 2011 عن إستراتيجية تنمية الابداع من اجل اعادة استنهاض الاقتصاد الاميركي. في الولايات المتحدة الاميركية هناك الكثير من الابداعات الناجحة لان اميركا هي بيئة مناسبة لكي تمضي الافكار الى حيز التطبيق العملي. الحكومة الاميركية لديها الكثير من برامج الزمالات والاستضافات لجلب الاجانب الاذكياء واصحاب الخبرات الى اميركا، في الاسبوع الماضي قال نائب الرئيس الاميركي جو بايدن «ان استمرار هجرة الاجانب الى الولايات المتحدة مهم لازدهار الاقتصاد واستمرار الابداع في اميركا».
*مجيد نظام الدين گلي ، محلل دولي في شبكة رووداو الاعلامية الكردية ويحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة The City University of New York في الولايات المتحدة الاميركية.