احترمونا أو غادروا

أكرم العبيدي*

كيف تحول الانترنيت من وسيلة للتواصل بين الناس وفتح آفاق جديدة للمعرفة والعلاقات الاجتماعية وإرساء قيم مرتبطة بالحداثة والإنسانية الى مركز أساسي من مراكز تجنيد الشباب وتحويلهم من أدوات فاعلة  ومتفاعلة في المجتمع الى قنابل تنفجر هنا وهناك والى مقاتلين مستعدين للموت في أي لحظة على وفق ثقافة قد يعتقد البعض إنها ثقافة طارئة لكنها راسخة ولها جذورها في تاريخنا العربي الإسلامي .
هذا الأمر دفع مؤخرا عدداً من وزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي المطالبة من  مزودي خدمات الإنترنت بحجب مواقع تستعمل لتجنيد شبان للقتال في سوريا. للحد من ظاهرة صناعة قنابل سائرة بين الناس بقدمين مستعدة للذهاب الى أقصى ما يمكن أن يكون الأجرام على وفق عقلية لايمكن الحد من تطرفها او ايقاف فكرها الذي غزا العالم من خلال الانترنيت .
أوروبا وأميريكا وتركيا ودول إقليمية أخرى بدأت تستشعر هذا الخطر بعد ان كان بعضها جزءاً من صناعته ودعمه وتمويله وتسهيل مروره الى دول بعينها ومن ضمنها سورية والعراق الذي أصبح أيضا بؤرة لهذا الفكر المتطرف الذي ان تمكن من مكان تحول الى مايشبه السرطان الذي لايمكن علاجه ان تمكن من المريض .يقول تقرير بريطاني قدم في المؤتمر ذاته وهذا التقرير يغطي عاما كاملا حتى سبتمبر 2013 – إن عدداً من الأفراد قد يقدرون بمئات، سافروا من بريطانيا لدعم جماعات إرهابية تقاتل في سوريا أكثر ممن سافروا إلى العراق .
وأشار إلى أن الحكومة قلقة بشأن ما يمثله هؤلاء من تهديد لبريطانيا، لكن التعامل مع هذا الأمر كان تحدياً كبيراً جداً لعدد من الأسباب من بينها سهولة السفر عبر حدود مخترقة وسهولة الحصول على أسلحة.
والسؤال من جعل حدود سورية مثلا مباحة امام هؤلاء القادمين من بريطانيا والسعودية ودول اوروبية اخرى انها تركيا التي شاركت في المؤتمر .. تركيا التي فتحت حدودها ومطاراتها امام تدفق هؤلاء وربما سهلت وصول الأسلحة لهم والتي يتم شراؤها بأموال قطرية وسعودية ..
ان الحديث عن الفكر المتطرف الذي يحمله هؤلاء ويتم تغذيته من قبل مواقع التواصل الاجتماعي يحتاج الى خطط حقيقية وافعال يمكن من خلالها إيقافه والحد من خطورته . جوليا جيلارد رئيسة وزراء أستراليا السابقة وهي تخاطب أحد المتشددين الإسلاميين في أستراليا تقول له أنت متعصب لماذا لا تسكن في السعودية  ولماذا غادرت دولتك الإسلامية أصلاً أنتم تتركون دولاً تقولون عنها أن الله باركها بنعمة الإسلام وتهاجرون إلى دول تقولون أن الله أخزاها بالكفر من أجل الحرية، العدل، الترف، الضمان الصحي، الحماية الاجتماعية ، المساواة أمام القانون، فرص العمل عادلة، مستقبل أطفالكم، وحرية التعبير فلا تتحدثوا معنا بتعصب و كُره .. فقد أعطيناكم في بلادنا ما تفتقدونه في بلادكم … احترمونا أو غادروا. هذه هي الفكرة هؤلاء تركوا بلدانهم وكأنهم دفعوا للذهاب الى تلك البلدان والغرض على مايبدو جعلها ملاذات آمنة لكي يستغلوا فسحة الحرية فيها أضافة الى توفر وسائل الاتصال الحديثة التي ربما لا يجدونها في بلدانهم ومن ثم يستغلون كل هذا من اجل تجنيد الشباب اليائس داخل بلدانهم او خارجها وتحويلهم الى إرهابيين يمكن إرسالهم  مثل الخراف الى مذابح حقدهم وكرههم للآخر.
لقد اتضح ان العالم بدأ يضيق ذرعاً بهؤلاء وربما هناك حروب خفية ومعلنة الآن في أوروبا وغيرها من الدول تشن للحد من تطرف هؤلاء و قد توظف بعض الدول الأوروبية قوانينها وجزء من منظومتها الاجتماعية والإنسانية مع هؤلاء وقد تستعمل العنف الخفي غير المعلن للقضاء عليهم داخل أوروبا وقد ظهرت مؤخراً أصوات متشددة هنا وهناك تطالب بترحيل المسلمين من تلك الدول وإعادتهم الى أوطانهم من دون الرجوع لبعض القوانين التي شرعت من اجل حمايتهم ودمجهم ضمن تلك المجتمعات.
خطر يهدد امن العالم هذا ما توصلت اليه اغلب الدول التي خرج منها إرهابيون تعود جذورهم لأصول إسلامية وقد عاد بعضهم وهم الان يمارسون دوراً في زعزعة امن واستقرار مجتمعات بنت حياتها على وفق مفاهيمها ومنظومتها الاجتماعية وهذا البناء لا يتوافق مع تلك العقول التي عادت وهي تضمر الشر إضافة الى نزعتها في النيل من هذه المجتمعات المستقرة والتي لا يمكن ان تكون مثلما يريد هؤلاء لهذا قالت لهم رئيسة وزراء استرالية وهي على ما يبدو تعبر عن شعور جمعي لمجتمعات ضاقت ذرعاً بهم. أما أن ترحلوا أو تحترمونا .

*كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة