زريبة

تدريجياً وعبر سلسلة من الهزائم المريعة على شتى الاصعدة والمستويات، تصدعت بشكل كامل قدرتنا على الاحساس بنمط الحياة الذي تدحرجنا اليه، والذي لا يمكن وصفه في أفضل حالاته بأكثر من (زريبة) هذا هو واقع الحال الذي يعجز السواد الاعظم من سكان هذه المستوطنة القديمة على التجرؤ من الاقتراب من بركه الراكدة. وما يزيد العتمة والضياع في محنتنا هذه هو السائد من ضباب الغطرسة والخواء واستعراضات التقوى الذي يستوطن حطام الارواح المتقافزة في كرنفالات الجنون الجمعي المهيمنة على المشهد الراهن. طبعاً لا يخلو الامر من الكائنات التي ما زالت تحتفظ بمجساتها العقلية والوجدانية الرافضة لهذا البلاء القيمي الذي افترست شراهته الافراد والمؤسسات والجماعات. لكن لا ينفعنا نكران حقيقة ان الروح والعاطفة الانسانية اصبحت امراً نادراً ولدى البعض مثيراً للسخرية والشفقة. والمفارقة في هذا الوطن الذي يمتلك أكبر احتياطات للنفط والغاز لم تكتشف بعد، ان تتحول تلك الثروات الى وسيلة اضافية لدغدغة مراكز ومخازن لعاب القوى المتدافعة عند اطراف الوليمة الازلية. وكم كانت الصدمة مريعة مع هذا النوع من «المسؤولين» الذين تصدوا لمهمة ما يعرف بمرحلة العدالة الانتقالية، من الذين لا يفتقدون أبسط شروط النهوض بها وحسب بل يمتلكون المواهب الضد لمثل هذه المسؤوليات الجسام. لذلك لم تعد التقارير المحلية والاممية بشأن حجم الفساد وتدهور مستويات الحياة فيه تثير أحداً، بل اصبحت جزءاً من آثاث هذه الزريبة التي لاتثير اهتمام المستوطنين. قد يلومنا البعض على هذه الصورة السوداوية والمتشائمة عن ما آل اليه الحال، لكن جولة عابرة على تضاريس الحياة العامة والخاصة فيها، ابتداءا من حضانات ودور الاطفال والايتام والمدارس الى الملاذات ما قبل الاخيرة لشوط الحياة المرير (المستشفيات) الى مراكز الشرطة والمحاكم بشتى وظائفها وملاكاتها الى السجون و… تبين للقارئ المنصف كم هو قليل هذا الوصف بحق شروط الحياة الحالية المتنافرة وأبسط الحقوق البدائية في عالم اليوم، الذي سنت فيه سلالات بني آدم، شرائع محكمة وصارمة تضمن حقوق الحيوان وتعوض الاجيال الجديدة منها عن الاضرار التي لحقها البشر باسلافهم من شتى الاصناف. ولا يجدي نفعاً مثل هذه الهرولات التي تنطلق من هنا وهناك، للهرب من مثل هذه الحقائق التي جعلت منا حقلاً لتجارب السخرية بين الامم، أو اجترار علف التأويلات والتبريرات العقيمة التي اهدتنا هذه القدرة في التكيف مع أجواء الزرائب..!
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة