وقد يكون الهجاء لحفلٍ خطابي ..!!

-1-
أهمُ صور الهجاء هجاء الأشخاص، وفي الشعر العربي نماذج كثيرة لهذا اللون من الهجاء .
-2-
ولكن الهجاء لا يقتصر على هجاء الاشخاص فقط، فقد تُهجى المدن والأماكن ، كما هجا المرحوم العلامة الشيخ عبد المنعم الفرطوسي مستشفىٍ في سويسرا حيث قال :
ومستشفى نزلتُ به سقيماً
فعدتُ به أضرَ مِنَ السقيمِ
وقد تهجى بعض الكتب والمطبوعات، وقد تُهجى بعض العادات ..،
غير أنّ هذه الصور من الهجاء ليست هي الغالبة، بالقياس الى هجاء الطغاة والبخلاء والمتكبرين واللؤماء …
وما أكثرهم في كل حين …
-3 –
وقد لفت نظري ان الشاعر المرحوم الدكتور السيد جودت القزويني هجا حفلاً كان قد حضره ، ويبدو انَّ الحفل كان في منتهى البؤس ، حيث ضمّ منهاجه مفرداتٍ تثيرُ السخط لا الإعجاب، بل قد تثير الكثير من الاستغراب والارتياب ..!!
-4-
والدكتور القزويني لم يذكر لنا عن هذا الحفل البائس الا تاريخه فقال حضرتُ في 15 ربيع الاول 1395 هـ حفلاً شعريا فأوحى اليّ هذه الأبيات ..)
راجع الروض الخميل ج2/281
أما مكانه فلم يذكر عنه شيئا، كما انّه لم يذكر الجهة التي أقامت الاحتفال
والاحتفالات انما تزدان بِمَنْ يشاركُ فيها من العلماء والمفكرين والشعراء المبدعين ، ولكنّ الاحتفال المهجو كان قد خلا من كل ذلك، كما يبدو من خلال الابيات الستة التي كتبها السيد القزويني في هجائه
ان الصور الساخرة والمشاهد المثيرة للاستفزاز واضحةُالمعالم في هذا الهجاء ..!!
فما بالك في احتفال لا ترى فيه الا المخاط المنساب من الأنوف ؟
قال :
وحفلٍ لا أراهُ سوى مُخاطٍ
بدا ينسابُ مِنْ كلِّ الأنوفِ
وما أبقى القزويني للاحتفال باقيةً حين قال :
مهازِلهُ تجلّتْ واضحاتٍ
على مرأى الوضيعِ أو الشريف
فالاحتفال اذن لم يكن الا مهازل …
يُدركها الجاهل كما يدركها الفاضل ..!!
ومثل هذا الاحتفال جدير بالهجاء، ولكي يقدم الدليل على ضحالة المنهاج قال :
تقدّم فيه شاعِرُهُ ولكنْ
تأخّر في مجانَسةِ الحروفِ
فمن دُعي لالقاء الشعر في ذلك الاحتفال لم يكن يتسم بشيٍ من الشاعرية وانما كانت حروفه غاية في الاضطراب وعدم التجانس .
ثم ان الدكتور القزويني شَبَّهَ القصائَد الملقاة في ذلك الاحتفال بالغول، وهي صورة مرعبة للغاية كشفتْ عن الاجواء الخانقة التي عاشها من حضر الحفل ، لاسيما أمثال صاحب القصيدة ممن يملكون رهافة الحس ، وبراعة التصوير وهكذا عرّى السيد القزويني ذلك الحفل المشؤوم بالغريب من المنثور والمنظوم .
أقول :
من المهم للغاية العناية بالاحتفالات التي تُقام في شتى المناسبات الدينية والوطنية ،وجعلها محطات تنوير وتوعية وتربية ،ولا تكون كذلك مالم تبذل الجهود المكثفة من أجل جعلها منارات اضاءة واشعاع فكري وروحي وثقافي ومعرفي عبر مشاركة الأعلام القادرين على العطاء .
-5-
ويمكن القول ان الدكتور القزويني قد تأثر بما قام به صديقه الاديب الموهوب الراحل السيد عبد الستار الحسني الذي هجا ” مقهى الحاج حسين الحمد ” في الكرادة الشرقية ببغداد .
” والمقهى ” هو الآخر ليس من المتعارف ان يكون محلاً للهجاء
قال الحسني :
أيُّ مقهى بها الغداة رُزينا
فأثارت كوامنَ الحزْن فينا
ما بها لو سألت غير شيوخٍ
كلهم قد تجاوز السبعينا
فهنا سَعْلةٌ وثم نخامٌ
يجعل المرء كاسفا محزونا
والسعال والنخامُ الواردان في هجاء المقهى تَمَّ ابدالهما بالمخاط المنساب من انوف الحاضرين في الاحتفال المهجو..!!
-6-
انّ للشعراء عالمَهمُ الخاص وأمزجتهم المتميزة، وما لا يخطر على بال الاخرين قد يكون هو الحاضر في بالهم .
وهنا يبرز الفارق الكبير بينهم وبين غيرهم .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة