كردستان بين الطموح والواقع

د. جاسم الصفار
كاتب عراقي
الكرد، كما ذكرت، لم يقدروا تقديرا صحيحا حجم ردة فعل دول الجوار، مع ان ايران وتركيا كانتا معارضتين للاستفاء منذ اعلان تاريخ الشروع به. فطهران تتخوف من ظهور دولة على حدودها مطيعة للارادة الاميركية وتربطها علاقة تعاطف قديمة مع اسرائيل، يكون بامكانها تحريض ودعم اكراد ايران لزعزعة الاستقرار فيها، لذا هددت ايران بغلق حدودها مع كردستان العراق، وما لذلك من تبعات اقتصادية على الاقليم. كما ان الرئيس التركي رجب طيب اوردغان تنازعه مشاعر الحذر والريبة نفسها من ان يشجع مثال كردستان العراق، اكراد تركيا على الانفصال والاستقلال عن الدولة التركية، لذا فان الرئيس التركي لم يهدد بالحصار الاقتصادي على كردستان العراق فقط بل ولوح باستعمال القوة.
وبدلا عن التعامل مع هذه الوقائع الموضوعية بروية ومرونة من اجل تبديد مخاوف الجيران قبل الشروع بالاستفتاء فان الكرد عولوا كثيرا على الدعم الاميركي والسعودي والاسرائيلي والاماراتي، وعلى عداء هذه الدول لايران، للحصول على دعمها ومساندتها في مسعاها للاستقلال عن حكومة بغداد الصديقة لايران. وعزز هذا الخيار انباء عن حصول الاكراد على وعود من دوائر محددة في الادارة الاميركية بان اميركا سوف لن تفرط بصداقتها مع الاقليم ولن تتركه وحيدا امام اي تهديدات ايرانية (والمقصود هنا ايران وحلفائها في العراق). على ان المواقف التي تلت الاستفتاء اثبتت انه لا وزارة الخارجية الاميركية ولا البيت الابيض ولا البنتاغون لم يكونوا مؤيدين للاستفتاء، على الاقل من ناحية توقيته واوصوا بحل الخلافات مع بغداد عن طريق الحوار.
هذا في الوقت الذي كانت فيه حكومة بغداد قد هددت بأنها سوف لن تخوض اي حوار مع قيادة الاقليم انطلاقا من نتائج الاستفتاء، وقررت ان تستفيد من التضامن العالمي معها لتحقيق مكاسب لم تكن لتحققها لولا هذا التضامن المعزز بالتهديدات الايرانية والتركية بحصار اقليم كردستان اقتصاديا. وبعد توقف الرحلات الجوية العالمية في مطارات كردستان شعر الاكراد لأول مرة بالعزلة العالمية، تبعها شعور بالهزيمة والانكسار عندما قامت القوات العراقية بعملية ناجحة ودون اي خسائر تذكر باستعادة كركوك وحقول النفط في ضواحيها اضافة الى بقية الاراضي المتنازع عليها والتي سيطرت عليها البيشمركة بعد عام 2014 .
وتجدر الاشارة هنا الى ان كل ما قامت به الحكومة العراقية سواء بتحريكها لقواتها وبسط سيطرتها على حقول نفط كركوك والاراضي المتنازع عليها، اضافة الى الاجراءات الاخرى التي اتخذتها والمطالب التي اعلنتها، كانت ملتزمة باطار محدد لتحركاتها عملت منذ البداية على ان تكون وفقا للدستور العراقي والقانون الدولي، فهي لم تدخل اراضي تقع ضمن الحدود الادارية لاقليم كردستان، كما انها لم تهدف للمساس بمصالح الشعب الكردي واعلنت في مبادرة حسن نوايا، بهذا الخصوص، حرصها على صرف رواتب موظفي الاقليم والبيشمركه.
وكما هو معلوم فان الارادة السياسية في كردستان العراق ليست واحدة. فاضافة الى الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده رئيس الاقليم مسعود البرزاني هناك الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يسعى لتحجيم نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها في كردستان، ويعارض تحويل كردستان الى منطقة مواجهة مع ايران نظرا للعلاقات التاريخية الوثيقة التي تربط الاتحاد الوطني بايران. وعدم وحدة الارادة الكردية، من وجهة نظري، اضافة الى ما يشاع عن وجود اتفاقات مسبقة مع بغداد، هي التي كانت وراء ذلك النجاح الباهر الذي حققته القوات الاتحادية في كركوك وما تلاها من انتصارات سريعة ومتتابعة على كل مساحة الاراضي التي تسمى بالمتنازع عليها.
والنتيجة هي ان ورقة الاستفتاء لم تفلح في تقوية الموقف التفاوضي للاكراد في حوارهم المزمع مع بغداد، بعد الاستفتاء، بل بالعكس، قلصت خيارات الاكراد واضعفت موقفهم. ولم تعد تفيد في شيء اتهامات الخيانة، سواء لاطراف في الحركة الكردية او حتى للاصدقاء الدوليين الذين اداروا ظهرهم لكردستان بعد الاستفتاء وتركوهم وحيدين في ساحة احتراب لا تقوى عليها كردستان بامكانياتها المتواضعة امام موقف دولي قوي متضامن مع بغداد، وخاصة من قبل ايران وتركيا.
واخيرا، فحريا اليوم باخوتنا الاكراد ان يدركوا اليوم مع مرارة الانكسار انه لا فائدة من العودة الى سياسة ما قبل الاستفتاء او الانطلاق من مخرجاته لاستثمار نتائجه، وان يدركوا قبل فوات الاوان ان اساس البلاء وسبب كل انكساراتنا في العراق، هو النظام القائم على المحاصصة الاثنية والطائفية الذي اسهم الاخوة الكرد، للاسف، في التأسيس له وترسيخه. يحتاج الاخوة الكرد اليوم الى الشجاعة في تقييم نقدي لدورهم في النظام الاتحادي التحاصصي وفي ادارة الاقليم منذ 2003 والتخلي عن مساهمتهم في تثبيت قوائم هذا النظام والتعاون مع القوى المدنية الديمقراطية العراقية من اجل بناء دولة المواطنة في عراق اتحادي فيدرالي. اما الطموحات ومشاريع المستقبل فلتترك للمستقبل وما يتمخض عنه من تغيرات على ارض الواقع.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة