الكتاب والجمهور!

لا يكفي أن يكون الكاتب ملماً بمهنته، متمكناً من أدواته، ليصبح مؤلفاً ناجحاً. فهناك معايير أخرى للنجاح، ينبغي أن تؤخذ بالحسبان، وتوضع دائماً موضع الاعتبار.
ولأننا تعلمنا منذ نعومة أظفارنا أن النخبة يجب ألا ترتزق من فكرة التنوير، وألا تتخذها وسيلة لتسلق السلطة، فقد بات الناس يعيبون عليها هذا السلوك. إلا أن الواقع أثبت أن الأمرين شرطان لازمان للذيوع، وعاملان أساسيان للانتشار.
إن حجم المبيعات الذي يحققه المؤلف مثلاً، هو مقياس لدرجة احتفاء الشارع به. وهو الذي يحدد مكانته في خارطة الثقافة. فكلما كان الطلب على مؤلفاته حاضراُ، كلما ازدادت شعبيته بين الناس. وليس هذا بالأمر الغريب، فالعمل الثقافي هو في الأصل منتج صناعي. فإذا ما انفض الناس عنه دل ذلك على وجود خلل فيه. والجمهور هو الذي يقرر رواج السلعة من عدمها. وهو الذي يسهم في بقائها في السوق أو اختفائها منه.
يقوم الإعلان في كثير من الأحيان بالترويج لهذه السلعة بتلميع صورتها على الملأ. ويتولى النقاد الدعاية لها بقصد أو بدون قصد. فهي إذن لا تختلف في معناها عن أي أداة منزلية يجري الإعلان عنها في المواقع أو الشبكات.
ثمة إجماع الآن أن مبيعات أي كتاب إذا ما تجاوزت الألف نسخة فمعنى ذلك أنه كتاب ناجح. في حين كانت الكتب التي تصدرها مطابع بغداد الموغلة في القدم في عقدي الستينات والسبعينات لا يقل أي منها عن الثلاثة آلاف. وكثير منها تخطى عتبة العشرة آلاف، في وقت كان عدد سكان العراق ثلث العدد الحالي.
أما السلطة فإنها تملك في الغالب مفاتيح الشهرة. وقد كانت في وقت من الأوقات الوسيلة الوحيدة لخلق مؤلف ناجح، قبل أن تظهر وسائل أخرى جديدة، تفوقها فاعلية. والذين قاطعوها في حقبة ما أقبلوا عليها في حقبة أخرى وهكذا. وأفضل مثل في هذا الشأن الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل. فقد كان قريباً من السلطة في وقت بعيداً عنها في وقت آخر. وفي الحالين كان لها الفضل في تقديمه للناس.
هل تحققت نبوءة موت المؤلف الشهيرة، على يد الإعلام الجديد. بعد أن غدا وجود المؤلف غير ذي جدوى، واستمراره موضع شك؟ ربما حدث هذا ولكن بطريقة مغايرة، حينما عزف الناس عن اقتناء نتاجاته، وتركوه نهباً للحاجة وضيق الحال.
في إحدى المرات شاهدت بعيني كيف تدافع الجمهور على ممثل عربي ذائع الصيت وهو يدخل معرضاً للكتاب في بيروت. وكيف تزاحم حوله المعجبون، ذكوراً وإناثاً. وحينما أطل في ذات المكان شاعر ثمانيني كبير، لم يكترث به أحد سواي! كانت السينما العربية التي صنعت مثل هذا النجم في أحسن حالاتها، وهي في الأصل من ثمرات الكتاب. لكنها ليست بخير هذه الأيام، مثل صاحبها هذا الذي يئن من الإعراض.

محمد زكي ابراهيم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة