كوثر بن هنية.. تناول مختلف لمعاناة المهاجرين السوريين

الرجل الذي باع ظهره، الفائزة بجائزة نجمة الجونة لأفضل فلم عربي روائي طويل

كاظم مرشد السلوم

كيف يمكن ان نتناول موضوعة المعاناة التي يعيشها شعب تشرد وهجر وهاجر بسبب حرب لا ناقة له بها ولا جمل، كيف يمكن ان يصف فلم سينمائي هذه المعاناة، ماذا يمكن ان يحدث لأي من هؤلاء الفارين من أتون حرب قاسية، هذه الأسئلة اجابت عنها المخرجة التونسية كوثر بن هنية بسيناريو كتبته بنفسها، سيناريو مختلف وقد يكون مختلق لحكاية مرت بأحد الشباب الفارين من الحرب السورية، ونجحت في ان تقنع المشاهد بإمكانية حدوث هذه الحكاية، سواء للاجئ سوري او غير سوري.

العنوان
الرجل الذي باع ظهره عنوان يحيل المتلقي الى التأويل، ووضعه أمام سؤال، ان ما معنى ان يبيع الرجل ظهره؟ هل يسخره للعمل حمالا فيكون رأس ماله، ام ان فيه تلك الإشارة الجنسية للذين يبيعون ظهورهم مقابل المال، أم ماذا، لكن ومع تدفق السرد البصري يتضح لنا معنى هذا العنوان الدال.

الحكاية
سام شاب سوري فر من بلاده الى لبنان حفاظا على حياته من الحرب، أملا بالالتحاق بحيبته في باريس وكأي لاجئ لا يمتلك وثائق رسمية، تواجهه الصعوبات الجمة ، حتى ان أصبح يتردد على حفلات المعارض الفنية التي عادة ما تقدم بعض الأكلات والمشروبات ضيافة للحاضرين، لكن فنان أمريكي محترف « ديا لينان» مع مساعدته الخبيرة بأمور المعارض واللوحات» مونيكا بيلوتشي» ينتبهون اليه ، فيعجبهم شكله وجسمه وجرأته، فيعقدون معه اتفاق غريب ، وهو ان يرسمون على ظهره بالتاتو فيزا الشنكن، ويعرضونها للجمهور من خلال جلوسه لفترات طويلة عارضا ما رسم على ظهره، الأمر الذي وفر له السفر الى أوربا والحصول على أموال كثيرة ساعد بها أهله وخصصوا أمه في سوريا ، لكن الكل يتساءلون هل فعلا بعت ظهرك، فهل وجد سام الخلاص من حياته السابقة بإقدامه على هذا الفعل ، وهل ستتوقف لعنة البلاد والحرب والذكريات والحبيبة عن مطاردته، وهل سينتفض يوما ليزيل هذا الرسم الذي يعده البعض إهانة لإنسانية وكرامة البشر، وهل سيعيده قراره هذا الى المربع الأول من حياته، أم انه سيبقى مطيعا لرغبة تجار الفن؟

الاشتغال
لم تذهب كوثر بن هنية الى الحرب والمواقف السياسية التي تلتها والتعقديات التي رافقتهاـ بل عملت على ان تشتغل بأبسط السبل لإيصال ما يمكن ان يحدث للاجئ ما ، لم يجد أمامه الكثير من الحلول على الأقل ليحافظ على حياته، كذلك ركزت على مسار كل الشخصياتن ومع كونها تونسية لكنها تنجح في الذهاب بعيدا الى تفاصيل الأزمة السورية التي تتشابك تفاصيلها وتعقيداتها ، لكن سيرة كوثر بن هنية تجعلها من القدرة بمكان على صناعة فلما جريئا ن وناجحا في أسلوب السرد ، مؤكدة على ان لا موضوع مهم يدور في العالم خصوصا الحروب هي خارج إهتمامات أي مخرج حقيقي متمن من أدواته، ولأن تناقلاتها بين الوثائقي والروائي ، وبين القصير والطويل قد وفر لها تراكم معرفة وخبرة في الإخراج السينمائي مكنها من النجاح في صنع فلم مهم أشاد به النقاد والجمهور.
كذلك نجحت كوثر بن هنية في إدارة وتوجيه ممثلة من العيار الثقيل وهي النجمة العالمية مونيكا بيلوتشي، التي ما أن قرأت السيناريو حتى وافقت عليه.

تأويل النص المرئي
اذا كان العنوان يدفع الى التأويل فكيف بالمحتوى السردي البصري والخط الدرامي للحكاية، فما معنى ان ترتهن حياة انسان حاضره ومستقبله ببيع ظهره لشركة فن تتاجر في اللوحات الفنية، ويصل بها الحد الى احتكار أجساد الناس، متخذين منها وسيلة لسرد معاناة هؤلاء الناس ظاهرا ، وتحقيقا لمصالحهم المادية باطنا، وكيف يمكن ان يعيش شخص ما مع وجود ما يرسخ انه مهاجر منبوذ من خلال رسم على ظهره سيرافقه طوال حياته، وهل وصل الأمر باستعباد الانسان الى هذا الحد، وما الذي يمكن للحروب ان تفعله بحياة الناس ، وما ذنب هؤلاء الناس في اندلاعها ، وما الذي يمكن ان يحصل لهم مستقبلا وما هو الشيء الجديد الذي من الممكن ان يبيعوه، لا يمكن للتأويل ان يتوقف في مثل هكذا حكاية، وكل شخص يشاهد الفلم قد يؤوله حسب ما يراه مسقطا ثقافته الخاصة والأيديولوجيا التي قد يتبعها عليه.
كل فلم ينتهي بخاتمة لكن التأويل لا يقف عند حد معين ، ليس في السينما فحسب بل في كل فروع الفن الأخرى التي تحاول ان تقترب بشكل او بأخر من الواقع المؤلم الذي نعيش.

يحيى مهايني
لأول مرة اشاهد فلما لهذا الممثل الجيد، الذي توفر على بودي تكنيك عالي المستوى، وسخر تعابيره جسده لتأدية الدور بشكل مطلوب، ولم يرهبه وقوفه امام ممثلة بحجم مونيكا بيلوتشي، بل كان مسترخيا جدا، وحقق للمخرجة كوثر بن هنية ما أرادته منه في تأديته لدور الشاب المهاجر، لذلك لا غرابة حصوله على جائزة أغضل ممثل في مهرجان فينسيا السينمائي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة