في لقاء له مع عدد من الإعلاميين والفنانين والأكاديميين تطرق رئيس مجلس الوزراء الجديد السيد عادل عبد المهدي الى واقع حال المؤسسة التي “أريد لها عند التأسيس أن تكون نموذجاً عن الـ (بي بي سي)” أي شبكة الإعلام العراقي، التي قال عنها بأنها “غير حيادية وتنحاز للمسؤول” وهو اعتراف وإن جاء متأخراً من أعلى مسؤول تنفيذي في الدولة العراقية حول ما انحدرت اليه إحدى اهم وأخطر مؤسسات الدولة، والمعنية بأكثر الحقول تأثيرا وفتكاً في حياة المجتمعات والأمم (الإعلام)؛ خيراً من أن لا يأتي أبداً كما يقول المثل المعروف.
وكي لا يتحول مثل هذا الاعتراف والتشخيص الى مجرد حديث عابر، ينتظر من السيد عبد المهدي تحويل كلامه ذاك الى قرارات سريعة وحازمة تعيد تقويم مسار ووظائف هذه المؤسسة الخطيرة، بعيداً عن مشيئة ورغبات الأحزاب والجماعات الضيقة والمتنافرة وما دوّنه الدستور لها ولأمثالها من المؤسسات والمفوضيات من مهمات ووظائف ومسؤوليات جسيمة. بالنسبة لي شخصياً لن استغرب ما سيحصل داخل هذه الشبكة المتورمة بأكثر من خمسة آلاف منتسب؛ من دقلات وحفلات تنكرية ترقباً لما سيتبع من زحزحات وانجرافات، بعد هذه الانعطافة في موقف السلطة التنفيذية منها ومن سياساتها البعيدة عن المهنية والحيادية والمسؤولية تجاه الوطن والناس والدستور.
إن روح التبعية لـ “المسؤول” وقيم اللواكة المهيمنة في الكثير من مفاصل الدولة والمجتمع، تعد اليوم من أكثر المعوقات صلافة وشراسة أمام كل مشاريع التغيير والإصلاح والتقويم الجدي للواقع المزري الذي انحدرنا اليه برفقة قوافل الحبربش ومسوخ البشر. صفات وقيم هي الضد النوعي لما يفترض توفره في العاملين بحقل أساسه الوعي العميق والشجاعة وروح الإيثار. لذلك وكي يعاد لشبكة الاعلام هويتها ووظائفها التي وجدت من أجلها؛ لا مناص من إجراء تحولات نوعية لا ترقيعية كما اعتادت عليه غالبية الكتل المتنفذة في عراق ما بعد “التغيير”.
أن يكف إعلام الشبكة بأشكاله المتعددة (المقروء والمرئي والمسموع) عن الذيلية والتبعية والانحياز لـ (المسؤول) والانتقال الى المواقف المسؤولة التي تنتصر لتطلعات العراقيين المشروعة من دون تمييز على أساس الرطانة والخرقة والهلوسات، كما عبر عن ذلك السيد رئيس الوزراء، يعني تزويد الشبكة بملاكات إعلامية من خارج الاصطبلات المزدحمة بالمخلوقات المسكونة بحلم امتطاء المواقع والمناصب والامتيازات، تلك القوافل المستعدة دائماً لنقل عدتها وديباجاتها واطروحاتها من كتف الى كتف آخر برمشة عين.
ليس هناك أدنى شك في صعوبة حصول ما أشرنا اليه من تحولات لأسباب موضوعية وذاتية معروفة للمتابع الحصيف للشأن العراقي، لكننا “محكومون بالأمل” كما كان يردد دائماً الكاتب المسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس. ونعد موقف رئيس الوزراء الأخير من الإعلام الممول من الدولة (شبكة الإعلام) خطوة على طريق الالف ميل صوب التقويم والتغيير. كما أنها ستضع حد لمنهج الغطرسة والاستعراضات والفتوحات الزائفة، لتنتقل بها الى مواجهة مسؤولياتها الأساسية في إيصال المعلومة الصحيحة والمعرفة الضروريتان لإعادة التوازن لعقول وذائقة العراقيين التي تشوهت طوال عقود من الضخ الممنهج للأكاذيب والأضاليل والتفاهة والشعوذة وضيق الأفق، ومثل هذا البرنامج لن يتحقق بسهولة، مع كل هذا الطيف الواسع من “الإعلاميين” الذين لا يكفون عن ترديد شعارهم الخالد (الياخذ أمي يصير عمي)…!
جمال جصاني
من يعيد للشبكة هويتها..؟
التعليقات مغلقة