لمحات اخلاقية من سيرة الامام الحسن (ع)

-1-
المشهور أنَّ الامام الحسن بن علي ( ع) استشهد في السابع من صفر عام 50 هـ ،ومع قرب اطلالة ذكرىاستشهاده (ع) نكتب هذه السطور المتواضعة عن إمامنا الصابر الممتحن الزكيّ الحسن، والحزن يعتصر قلوبنا اذ انَّ الامام الحسن (ع) قد ظلمه أعداؤه وظلمه اولياؤه ايضا
وهنا تكمن الطامّة .
-2-
جاء في سيرته :
ان رجلاً قصده في حاجة فقال له الامام الحسن (ع) ” اكتب حاجتك وارفعها الينا “
فكتبها ورفعها اليه ، فضاعفها له ،
انظرْ كيف حرص على ماء وَجْهِ الرجل مِنْ أنْ يُراق في طلب حاجته ؟
ثم انظرْ الى عنايته الفائقة بقضاء الحاجات، ثم قف قليلا عند كرمه وسخائه ونبله الذي دعاه الى ان يضاعف لصاحب الحاجة مراده .
انّ الحس الانساني، والتفاعل مع آلام البائسين والمستضعفين، من أول الدروس الثمينة التي تُستلهم من سيرته المباركة الخالدة .
وحين ضاعفَ العطاءَ لصاحب الحاجة قال له بعضُ مَنْ كان حاضراً في مجلسه :
ما كانَ أعظمَ بركة هذه الرقعة عليه يابن رسول الله فقال (ع) :
بركتُها علينا أعظم حيث جعلنا للمعروف أهلاً .
أما علمتم ان المعروف ما كان ابتداء من غير مسألة ،
فاما اذا اعطيتَه بعد مسألة فانما اعطيتَه بما بذل لك من وجهه ، وعسى ان يكون بات ليلتَه تململا أرقا بين اليأس والرجاء، لا يعلم بما يرجع من حاجته أبكابة ام بسرور .. فيأتيك وفرائصه ترعد ، وقلبه خائف يخفق ، فانْ قضيت له حاجته فيما بذل من وجهه فانّ ذلك أعظم مما نال من معروفك “
أين نحن من المبادرات الانسانية التي دعا لها الامام الحسن (ع)؟
وأين نحن اليوم من اصطناع المعروف في تعاملاتنا اليومية عموماً ، ومع الفقراء والضعفاء خصوصاً ؟
انّ استعراض هذه المفردات الاخلاقية والمواقف الانسانية ينفضُ الغبار المتراكم على المهمل والمنسي من جميل الأفعال والخصال ..
-3 –
ان عبد الله بن الزبير – وهو صاحب موقف عدائي معروف من اهل البيت (ع) – لم يكن يستطيع ان يتنكر لما انطوت عليه شخصية الامام الحسن (ع) من عظيم المناقب والصفات فقال عنه : ” والله ما قامت النساءُ عِنْ مِثْل الحسن بن علي “
والفضل ما شهدت به الاعداء .
أما سمعتَ بخبره مع الشامي الذي وصل الى المدينة، وجابه الامام الحسن (ع) – وبكل صلف ووقاحة – بالكلمات النابية التي تقطر سُمّا وذّماً ،فلا يقابله الامام الحسن (ع) الاّ بالابتسامة، ويُغضي عنْ كُلّ ما اشتمل عليه كلامه من أباطيل ويقول له :
” ايها الشامي
أظنك غريباً
فلو أنك سألتنا أعطيناك ولو استرشدتنا أرشدناك
وان كنت جائعاً أطعمناك
وان كنت محتاجاً أغنيناك أو طريداً آويناك .
وحين راى الشامي هذا الخلق العظيم ، أدرك خطأه وتراجع واستشهد بقوله تعالى ( الله أعلم حيث يجعل رسالته)
الانعام /124
انّ الامام الحسن (ع) لم يغب عنه انّ هذا الرجل الشاميّ كان فريسة الاعلامِ الامويّ الحاقد على اهل البيت (ع) والذي لم يكن يذيع عنهم الاّ ما يسيء اليهم ، وينفر الناس عنهم،فاستطاع بحكمتِهِ ورحابة صدره وخلقِهِ العظيم ان يعيده الى مرافئ الصواب، البعيدة عن الأوهام والشكوك والارتياب .
ويلاحظ هنا :
ان الامام الحسن من خلال حديثه مع الرجل الشامي أفْهَمَهُ انّه في منتهى القوة والاقتدار والتمكن من معاقبته على الاساءة اذا اختار ان يعاقب ولكنه لا يختار العقاب مع القدرة على أحداث الصحوة المطلوبة في ذهن الشامي المغرر بهم …
وهنا نقول :
الاقتداء بسيرة الامام الحسن (ع) يدعونا الى التريث والتمهل مع ضحايا الاعلام المضاد، والشائعات المغرضة وذلك بانْ نحاول أنْ نوضح لهم الصورة الصافية البعيدة عن التحريف والتزييف، وان لا نسارع الى الاساءة اليهم قبل انْ نقيم عليهم الحجة بايضاح الحقائق وإزالة الالتباس..
-4-
ولعلَّ هذا الخلق النبوي العظيم هو الذي دفع أشد خصوم الامام الحسن (ع)- وهو مروان بن الحكم – انْ يعترف بانّ الامام الحسن (ع) كان حِلْمُهُ يوازي الجبال .
-5-
ويُوصفُ الامام الحسن (ع) بانه كريم أهل البيت (ع)، وهم جميعا معدن الكرم والجود، ولقد جادوا بأنفسهم وليس بأموالهم فحسب .
لقد اشترى الامام الحسن بستانا يملكه جماعة من الانصار في المدينة المنورة باربعمائة الف ، وحين تناهى الى سَمْعِهِ انّهم وقعوا في أزمة مالية خانقة اضطرتهم الى سؤال الناس ، ردّ عليهم البستان الذي اشتراه منهم ليصونهم عن ذل المسألة .
وهذا منتهى الكرم والنبل والانسانية والرأفة والمروءة .
وهكذا ينبغي ان نكبح النزعة الذاتية فينا التي لا تنظر الى خارج حدود الذات بل لا ترى العالم الا من خلال مصالحها ومنافعها ومكاسبها ،
وهذا هو السرّ في الانتكاسات الاجتماعية والسياسية الخطيرة التي نعيشها اليوم .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة