رسالة المنبر الحسيني!

د. محمد فلحي

طوال أكثر من الف وأربعمائة عام ظل المنبر الحسيني وسيلة الإعلام والتوعية والتوجيه
الديني والسياسي والاجتماعي،يروي قصة استشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين(صلوات
الله عليه وسلامه) في يوم عاشوراء في كربلاء،ويبعث قيم الشهادة والبطولة والتضحية
في سبيل الحق ورفض الظلم والطغيان والانحراف السلطوي،وقد كُتبت دراسات وبحوث علمية
عدة عن دور المنبر الديني و الاجتماعي والإعلامي،في كثير من الدول الإسلامية، خلصت
أغلبها إلى تأكيد أهمية الخطاب الديني المتزن في الحفاظ على توهج مباديء الاسلام
النقي في نفوس الملايين، رغم محاولات التغييب والتشويه والكبت التي مارسها الحكام
الطغاة على مر العصور.

 في هذه الأيام من شهر محرم الحرام
يستذكر المؤمنون واقعة الطف الأليمة،ويعبر كل منهم عن مشاعره الحزينة بطريقته
الخاصة،وتسكب عبرات الكثيرين أمام  قصة سيد
الشهداء التي يرويها شيوخ المنبر الحسيني،بأساليب مؤثرة تهز القلوب، وتجعل من تلك
الواقعة الرهيبة شعلة لا تنطفيء إلى الأبد، وقد انعكست خلال العام الحالي ظروف
الوقاية من وباء كورونا فضلاً عن تأثير طبيعة الفضاء الاعلامي الالكتروني،في نوعية
الخطاب المنبري وأساليبه، لكن رسالته ظلت واضحة مؤثرة في الأغلب.

 المنبر الحسيني، ظل خلال قرون مضت،مدرسة
في الدين والأخلاق، ويكاد يكون في عصور سابقة المصدر الرئيس لإحياء واقعة كربلاء،
لكن عصر المعلومات والتقنيات الجديدة فرض وفرة المصادر وتنوع الوسائل، ومن ثم فإن
الجيل الحالي يتعامل مع منابر تقنية كثيرة، ينبغي أن تكون موضع اهتمام من قبل
المهتمين،من أجل ايصال الخطاب الديني العقلاني التنويري إلى الملايين، وقد اعجبني
بعض الشيوخ الاجلاء الذين يحرصون على تسجيل محاضراتهم فيديواً، ونشرها عبر قنواتهم
الخاصة في موقع (اليوتيوب) في شبكة الانترنيت، كما وجدت الكثير من الناشطين الشباب
يضعون على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالأخص الفيس بوك، مقاطع منتقاة،من القراءات
والمحاضرات الرائعة، ذات مضامين سياسية واجتماعية ساخنة تستلهم معاني قصة سيد
الشهداء،وتربطها مع الأحداث المعاصرة.

 مثلما تغيرت الوسائل، ينبغي أن
يتغير مضمون الخطاب الديني وأسلوبه، فإذا كانت وظيفة المنبر الحسيني في الزمن
السابق ترتكز على استدرار عواطف الحزن والبكاء من خلال رواية تلك الواقعة،فإن
الخطاب الديني في عصر المعلومات يفترض ان يعتمد سرد الحقائق والوقائع التاريخية
الموثقة والدلائل التي تخاطب العقول،وتبعث معاني الدين السليم، واعتماد الوعظ
والإرشاد والنصيحة والتوجيه التربوي، وتجنب التطرف والمبالغة والخيال المفرط، رغم
أهمية التداخل بين العاطفي والعقلي في أغلب الموضوعات الدينية!

 نحن أمام جيل مختلف يتعامل مع
تقنيات مذهلة تحركها تيارات متضاربة وقد بات جيل الأبناء يطرح أسئلة صعبة،علينا أن
نكون مستعدين للإجابة عليها وتوضيحها عبر الإقناع والمعلومات الصادقة والحجج
الواضحة!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة