محنة قصيدة النثر

سلام مكي

المحنة التي تعاني منها قصيدة النثر، ليست وليدة اليوم، ولم تقف عند كتّاب معينين، بقدر ما هي محنة ولدت مع ولادة قصيدة النثر، بوصفها امتداد لحركة الشعر العربي كما يرى بعض النقاد، أو بوصفها جنس مختلف أو جنس ثالث كما يرى غيرهم.. تتجلى تلك المحنة في أن قصيدة النثر، عندما تخلت عن أهم الركائز التي تستند عليها القصيدة العربية قبل ظهورها والتي كانت تغطي عيوب تلك القصيدة وأعني الوزن والقافية، مقابل ظهور محددات معينة لتلك القصيدة، داخلية صرفة، خاضعة لمقاييس تجربة الشاعر واحساسيه. ففي قصيدة النثر وكما قال الشاعر سركون بولص في حوار معه: في قصيدة النثر، ليس ثمة ما يقيد الشاعر سوى تجربته الخاصة وديمومة الصوت الذي تشتمل عليه القصيدة والتفاصيل الأخرى التي ليس لها أية نهاية.. وقبل سركون، قالت نازك الملائكة في مقدمة ديوانها ” شظايا ورماد” : في الشعر، كما في الحياة، يصح تطبيق عبارة برنارد شو: اللا قاعدة هي القاعدة الذهبية.. ورغم أن نازك، كفّرت عن اقتباسها هذا، بكتاب ” قضايا الشعر المعاصر” و ” سايكولوجية الشعر” إلا أن هنالك من استغله أبشع استغلال، فكتب وكتب، مدعيا أنه يكتب قصيدة نثر، لمجرد انه يكتب أسطرا مقطعة. وحين تسأله، يقول: قاعدتي الذهبية هي اللا قاعدة في الشعر! فلا توجد قواعد يمكن الرجوع إليها لتقييم تلك الكتابة سوى الاحساس الداخلي للشاعر، وذلك الاحساس هو الذي يحدد طبيعة النص، ومدى شعريته. يقول موريس شابلان عن قصيدة النثر: إنها نوع لم يتجرأ أي منظر على أن يعلن عن قوانينه. وغياب تلك القوانين، أباحت لكل من هبّ ودبّ أن يكتب كلاما عاديا وينسبه إلى الشعر، ولا أحد يحق له الاعتراض! بالتالي، كثر الشعراء وقلّ الشعر. وفي الوقت الذي نجد شاعرا مهما مثل أدونيس، يرى في كتابه ” مقدمة للشعر العربي” أن استخدام اللغة مقايس أساس في التمييز بين الشعر والنثر. فحيث نحيد باللغة عن طريقتها العادية في التعبير والدلالة ونضفي على طاقتها خصائص الاثارة والمفاجأة والدهشة يكون ما نكتبه شعرا. نجد أنه بالإمكان تلمس محددات التفريق بين الشعر وغيره. كما يمكن العودة إلى التعريف الأول والتأسيسي لقصيدة النثر والذي يعود لسوزان برنار بأنها : قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحدة، مضغوطة، كقطعة من البلور.. يمكن أن نحدد ملامح أخرى للأسس. لكن الاشكالية في هذا التعريف، أنه لم يقل أن قصيدة النثر شعر! بل قطعة نثر.. فلو كتب أحدهم نصا، موحدا، مضغوطا، موجزا، لكن ما كتبه قصيدة نثر وليس شعرا! وهذا التعريف يعطي انطباعا بأن برنار، ترى أن قصيدة النثر، ليست جنسا ثالثا ولا شعرا، لكنها نثر، مثله مثل غيره، فقط هو يمتاز بالوحدة والكثافة والإيجاز! رغم ما قيل ويقال من أن قصيدة النثر، حازت مشروعية ومقبولية، وحازت على اعتراف النقد، ولا حاجة اليوم لإعادة السجال والحديث عنها، لكن ما تحمله من اشكاليات وما تسببه للشعر والنثر على السواء من سماح لكتاب طارئين بالدخول إلى عالم الشعر، حري بالنقاد أن يعيدوا تقييم قصيدة النثر.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة