ريسان الخزعلي
شاع َ عندنا في التداول الشفاهي والكتابي بعد عام 2003 الكثير من المفردات والمصطلحات العربية وغير العربية ، وقد أصبحت تُستخدم في خُطب السياسيين والحوارات الاعلامية المرئية والمقالات الصحافية بطريقة لا ترتبط بمعناها ودلالتها الى الحد الذي تبدو فيه جديدة أو غريبة على مدركات الانسان البسيط وكذلك القارئ والمشاهد العاديين ؛ ومن بين هذه المفردات ، مفردة « كاريزما «.
إنَّ « الكاريزما « كما يُعرّفها معجم علم الاجتماع : كلمة إغريقيّة تعني الرحمة الإلهية ، الّا أنَّ علماء الاجتماع عنوا بها قابلية الشخص على القيادة والإلهام بفضل قوّة شخصيته وعبقريته وعقيدته . وعادةً لا يعتمد القائد الكاريزماتيكي على جهاز بيروقراطي مُنظّم يساعده في الحكم ، حيث أن َّ تأثيره وقوّته لا تُستمد من النُظم القانونية والشرعية بقدر ما تُستمد من قابليته على كسب وإرضاء الناس والتفاتهم حوله وخضوعهم لرسالته . فالزعيم الديني أو المذهبي مثلاً ، هو الشخص الذي تنعكس فيه جميع الصفات الكاريزماتيكية طالما أن َّ مركزه القيادي هذا لا يعتمد على ثروته أو جبروته أو جهازه القانوني . كما أن َّ هناك عدداً من القادة السياسيين يحملون الصفات الكاريزماتكية مثل غاندي ولينين . أما الطاغية فيختلف عن القائد الكاريزماتيكي اختلافاً كبيراً اذ أن َّ حكمه يعتمد على القوّة والخوف الذي يزرعه في نفوس رعاياه الذين يطيعونه خوفاً منه وخوفاً من مركزه ، بينما الطاعة التي يُقدمها الافراد للقائد الكاريزماتيكي يكون مصدرها الصفات اللامعة والشخصية الجذّابة التي يتميّز بها.
إنَّ الصفات اللامعة والشخصية الجذّابة وكما جاءت في التعريف ، لا تأتي من افتعال مقوّماتها ، حيث ستكون خداعاً ومراوغة ، وإنما تأتي من مقوّمات عديدة متأصلة وذاهبة الى التأصيل ، من بينها : التربية الاجتماعية والثقافية والمهنية والانحياز الحقّاني العادل والموقف النضالي والتفاعل الجماهيري ونمط السلوك الحياتي / اليومي في التعامل مع الآخرين والرؤيا الذاهبة الى المستقبل بإدراك الماضي والحاضر وفن الادارة والاقناع ، والانصات ومهارة الحديث…الخ ، وحين تتوافر هكذا صفات ومقوّمات في شخصيّة ٍ ما : سياسية ، اجتماعية ، ثقافية ، دينية ، نضالية، علمية .. ، عند ذاك يصح أن نطلق عليها « شخصية كاريزمية « ..، ومثل هذه الشخصية تؤثر ايجابياً في مستويات عديدة من طبقات المجتمع وتمنحهم اليقين والاطمئنان في ومن كل ما تقوله وتفعله من اجلٍ انسان أرقى ووجودٍ أبقى وحياةٍ أنقى.
وفي المفتتح الاخير ، يُحتّم علينا « وعي التداول « في شفاهياتنا وتوثيقياتنا أن نعرف أو نتعلم الجذر الاشتقاقي وكذلك المعنى والدلالة لكل مفردة أو اصطلاح من خارج قاموسنا العربي منعاً وتجنّباً للالتباس والخطأ . ولا شك َّ في أن الاشارة هذه لا تحمل التعميم والاطلاق ولا تقصد مَن يُجيد الاستخدام ، فالنوع أوضح من أن يُشار اليه.