تطرق أحد الكتاب الايرانيين الى ما دار من حديث بين الرئيس الماليزي مهاتير محمد والشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني، حول علاقة بلديهما باميركا وانعكاس ذلك عليهما، حيث ترجمت لكم بعضا مما جاء في كلام مهاتير محمد: (ان طبيعة نظرتنا ونوع العلاقة التي تربطنا بالولايات المتحدة الأميركية، تختلف تماماً عما هو لديكم عنها في ايران؛ نحن نراها على هيئة بقرة وديعة، لذا التصقنا بثديها المكتنز بالحليب، اما أنتم فترونها على هيئة ثور هائج وعدواني، لذا لم تجدوا أمامكم سوى قرونه الحادة والقاطعة. لهذا نحن نجني الفوائد وانتم الخسائر والأضرار..). بعد مرور أكثر من عقدين على ذلك اللقاء، نشاهد جميعاً أهمية تلك النصيحة التي تضمنها كلام مهاتير محمد، وما تضمنته من تحذير للايرانيين حول اصرارهم بالتمسك بنظرتهم الاحادية والتي تختزل اميركا بـ “قرونها الحادة والقاطعة” وبانها محور اهتمامهم بوصفها رمزاً لـ “الشيطان الاكبر”. ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان الشيخ رفسنجاني كان متفهما وقريبا لما تطرق اليه نظيره الماليزي، الا ان هيمنة التيار والجماعات المتشددة في بلده، على مصادر ومفاصل القرار، اعاقت جهوده وتطلعاته البراغماتية من التحول الى واقع، ينتشل بلده من عواقب وتبعات ذلك الاصرار على التحرش بقرون الشيطان الاكبر…!
ليس من الحكمة بشيء؛ ان تضع بلدك في مثل هذه المواجهة الخاسرة، وضمن توازنات واصطفافات محسومة سلفاً لمن اخترته عدواً، طبقاً لما نسجته من عقائد وخطابات وشعارات عفا عليها الزمن منذ امد بعيد. لا يتناطح كبشان على ما انحدرت اليه ايران من أوضاع حرجة وصعبة في الأشهر الاخيرة، نتيجة ذلك الاصرار على اعادة تدوير ما اطلقته ثورتها الشعبية (في العام 1979) من هتافات وصرخات “الموت لاميركا” و “لا شرقية ولا غربية…” و ماتلاها من شعارات استبدادية مثل “الموت لاعداء ولاية الفقيه” وغير ذلك من ارث المراحل المحتقنة للمجتمعات والامم. ليس هناك ادنى شك من الوضع المحرج الذي تمر به ايران، بعد مرور أكثر من عام على انطلاق الحرب الاقتصادية ضدها، وما رافق ذلك من احداث وتطورات تراجيدية وخطيرة، وفي منطقة هي الاكثر استعدادا للحرائق في عالم اليوم (الخليج) حيث شهدت مؤخرا التعرض للسفن وناقلات النفط، واسقاط الطائرة الاميركية المسيرة وضرب اهم مصافي المنطقة (آرامكو) وتتوجت مؤخراً باغتيال الجنرال الاكثر شهرة في ايران والمنطقة قاسم سليماني، ورفيقه في هذه الحرب نائب رئيس الحشد الشعبي العراقي ابو مهدي المهندس.
قد تبدو الاوضاع والمناخات الحالية لا سيما بعد التصعيد الاخير، غير مناسبة لايران كي تعيد النظر بما تضمنته عبارة مرشدها الاعلى السيد علي الخامنئي (لا حرب لا مفاوضات)، الا ان ما ينتظرها من خيارات في حالة الاصرار على ما حذر منه حكيم ماليزيا، لن تكون مغايرة لما تجرعته حتى هذه اللحظة وحسب، بل ستدفع الاوضاع الى ما لا تحمد عقباه. ان التوقف عند الامكانات الفعلية لا المتخيلة، ليست من علامات الضعف والهوان، كما ان الرهان على شعارات اطلقت في مكان وزمان ما ولحاجات ما، ليست دليلا على القوة والمبدئية والعنفوان كما يتوهم البعض، بل العكس هو الصحيح. وما تحتاجه ايران اليوم هو تجنيب شعوبها وشعوب المنطقة ما تنحدر اليه من مصائر كارثية، عبر الاستماع الى الآخر المختلف والامتناع عن شيطنته داخلياً، ونزع فتيل الحرائق المقبلة عبر المفاوضات وبعيداً عن هلوسات الثأر والانتقام…
جمال جصاني