قتلُ أفلاطون

شانتال مايّار
ترجمها عن الإسبانية: نجيب مبارك

1
رَجلٌ مسحوق.
هذه اللحظة.
الآن.
رجل مسحوق.
ثمة لحمٌ متفجِّر وأمعاء،
سوائل ترشح من الجسد والشاحنة،
آلاتٌ تفرش وقودها على الإسفلت:
خليط غريب من المعدن والنسيج
وفي المقابل
هذا أقسى تعبير عن الفكرة.
الرَّجلُ مكسورٌ من جهة الحوض
ينحني بوقار بعد أداء المهمة.
لا أحد عاين بداية المأساة
لا أحد يهتمّ:
ما يهمُّ الآن
هذه اللحظةَ
هو الحائطُ الذي تقشَّر جيرُه
وتناثر كما لو في احتفال،
هذا هو المشهد.
زاويةٌ. أُسرعُ الخطو. الوقتُ داهمَني ولم أتناول غدائي بعد.

2
هل أضيفُ أن الريحَ تولول
ككلبٍ مشرّد أمام الباب المهاجَم؟
لن أفعل.
ولا تسألوني عن الريح:
أجهل إن كانت ثمة ريح.
وما دام الأمر هكذا، على كل حال،
سيكون الجواب بلا معنى.
انتهيتُ للتّو من لقاء صديق قديم.
كان قد طلب رأيي
في بعض القصائد التي كتبَها.

3
وجهُ الرجل نحيفٌ جداً
يوجّهُ نظراتٍ شبهَ داعرةٍ
إلى السماء
عينه واسعةٌ وزرقاء
وعينه الأخرى أعماها الغُوانو
الذي التَصق بالريشة
كما تُدمغ الرسائلُ
بالشّمع.
لقد وضع عنواناً غريبا للكتاب:
قتلُ أفلاطون.

4
هل كان يشعرُ بإحساسٍ ما؟
هل كان عليه أن يشعر؟
وهل يُعتبر شِعراً
بيتٌ يصف ببرودةٍ ما يحدث؟
لكن، ما هذا الذي يحدث؟
موضوعه امرأةٌ مسحوقة بفعلِ
صوت.

5
لا أعرف إن كان هو ابنتَه.
رجلٌ مسحوق يتشبث بيدِ طفلةٍ
أو ربما التي كانت ابنتَه
هي من أمسكت
بيد هذا الرجل،
يدٌ أمست الآن أكثر تصلّباً
مضمومةً بقوّة وباردة.
سيأتون لقطعِ أصابعه واحداً تلو الآخر.
سيأتون لبترِ يده
ربما سيكون هذا أسهل.
لكن، تخيّلوا طفلةً وهي تهرب
ممسكة يدَها التي بُترت
ملطّخةً بالدماء!
سيأتون لنجدتها بأدوات الجراحة
وهي ستكون مشغولةً جدّاً
بتجفيفِ البول والدمِ الذي يسيل
حتى القدمين.
تأمّلوا كم هو شاقٌّ
انتعال أحذيةٍ واقية من الماء
وكم ليس يقيناً دائماً
أن تحدث المستنقعاتُ فقط
من الأمطار.
الصوت يثير فكرةً حين يرتجّ ويتحوّل إلى
قذيفة.

6
في الزاويةِ المقابلة
نافذةٌ تطلُّ على سينما،
يسقط منها
جوربٌ نسائيّ أسود.
هل هو من حريرٍ؟ أم من نايلون؟
الجوربُ الأسود كودَاعٍ
يسقط على ملصقٍ يعلن
موتَ المسافر التاجر.
الصوتُ الذي يصدم امرأةً بواجهة أحد البيوت.
هذا هو الموضوع.
والقصائدُ هي تنويعات على هذه الصورة.

7
يتزايد عددُ المتفرجين.
ليسوا كتيّارٍ بحري، لا:
هم كتسارُع الأحلام
حين يريد الحالِم أن يعرف
نهايتَها.
يتدفقون من الفجوات،
من الممرّات، من النوافذ الشفّافة،
من الترام، الدليل،
فتتعقّد الأمور
يغمرون الدويّ الحادّ وعيونَ القرميد
يلتقون عند المجاري
يصبّون في قنوات صرفِ المياه،
يتدفّقون من كلّ الجهات
وينتشرون
فتتعقّد الأمور
يُعقّبون ويعارضون،
يتناقشون في الداخل
حول ما تعذّر وصوله من الخارج،
جسدُ خفّاش كبير يحاول أن يعرف
هل ما زال بإمكانه أن يعيش
لوقتٍ آخر
لمزيدٍ من الوقت
بعد صفحةٍ
تدعوه ليحصّن دفاعه
بالمرونة والدقةِ والاختصار
فيما هم يبحثون عن الوسيلةِ
ليعرفُوا
دون أن يتألّموا،
لينظرُوا
دون أن يراهم أحد.
قلتُ له لم أفهم لماذا أسميته:
قتلُ أفلاطون.


شانتال مايّار شاعرة وأستاذة جامعية إسبانية من أصل بلجيكي. وُلدت ببروكسل سنة 1951، وفي سنة 1963 انتقلت مع عائلتها للاستقرار بمالقة حيث نالت الجنسية الإسبانية سنة 1968. عاشت لفترة في مدينة بيرانيس (الهند) للدراسة بجامعتها والتخصص في الفلسفات والديانات الهندية. عملت أستاذة للفلسفة وعلم الجمال ونظرية الفنون بجامعة مالقة، وتنشر منذ سنة 1998 مقالات وخواطر فلسفية في بعض المجلات والصحف مثل الباييس وأ. بي. سي، ولها مؤلفات فلسفية كثيرة أغلبها حول فلسفات الشرق الأقصى. بدأت في نشر قصائدها منذ سنة 1981، ولها عدد من الأعمال الشعرية المنشورة. سبق لها أن حازت على الجائزة الوطنية للشعر سنة 2004 عن كتابها (قتلُ أفلاطون).

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة