(افكار الفراشات) والتعبير عن مكنونات الذات

علوان السلمان

النص الشعري اشتغال متخم بالدلالة التي يفجرها الصراع القائم بين عناصر الطبيعة (الواقع الموضوعي) و(الانا) (الذات)..عبر صور يخلقها المنتج(الشاعر)بلغة مشحونة بإيحاءاتها الخالقة لصورها المستفزة لذاكرة المتلقي للإجابة على اسئلتها باستنطاق صورها المكتظة بقيمها الجمالية وعمق فكرتها وفعلها الكوني، للكشف عما خلف الفاظها الرامزة وتشكلها الرافض للتأطير والموقظ لمكامن الشعور….
وباستدعاء المجموعة الشعرية(افكار الفراشات) التي نسجت عوالمها النصية انامل الشاعرة راوية الشاعر، واسهمت دار الشؤون الثقافية في نشرها وانتشارها/ 2015..كونها تعبير عن مكنونات الذات الرومانسي القائم على الاحساس بوقع الكلمات من حيث شكلها وصداها بصفتها الوجود المستبطن للذات والذات الجمعي الاخر نفسيا، ابتداء من الايقونة العنوانية المؤنسنة الدالة على الحركة الدينامية المتجددة بفعلها وافعالها والكاشفة عن المضامين النصية التي غلبت عليها المقطعية الكتلية المعبرة عن رؤى المنتجة(الشاعرة) التي اعتمدت فنون البلاغة(استعارة ومجاز وتشبيه..) وتقنية الانزياح واستنطاق الرموز الطبيعية بكل موجوداتها باعتماد طاقة الالفاظ الايحائية المقتصدة لغويا مع تكثيف جملي وضربة اسلوبية ادهاشية متوهجة..
عند بحر العين
تتعرى الشمس تحت الرمش
بتهمة حلم في جنح الليل
مئات الاشعة…اعتقلت

عند باب العقل
يقفز المفتاح مرتعشا
مندهشا……
كم من اقفال الفساتين سيفتح؟
وكم من مغاليق القمصان سيزور؟ /ص10 ـ ص11

فالشاعرة تستنطق الرموز وصورها بايجاز وتكثيف مع تركيز في اختيار الالفاظ عبر بوح ذاتي(منولوجي) للتعبير عن حالة نفسية بمضمون شعري مكتنز بتوتره الداخلي الداعي لاستيقاظ الحياة وخلق الرؤيا الابداعية فكان النص عندها (تصميما محملا بقدرة من الحساسية) على حد تعبير هربرت ريد بتشكله الموجز المعبر عن مضمون شعري مكتظ بأعلى درجات توتره الداخلي الذي يذكرنا بمقولة النفري الصوفي (كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤيا) كونه موغل في الترميز حد التشبع الذي يتحول فيه كل دال الى بؤرة معان، فضلا عن ان الشاعرة تعتمد على طاقة الالفاظ الايحائية المستنطقة للذات المختصرة للمسافة في لحظة من لحظات الحلم بكثافة ايحائية توفر مساحة للحركة التأويلية..
أقمنا رهانا أنا والجدار
الفكر مقابل الدفء
العناد مقابل السقوط
فر الجدار من ضعف انثى
تجيد تعليق الارواح صورا
تمنح الجامد حيوية الرمز
أقمنا زفافا للفراق أنا والجدار
انفطر هو دون لمس عروسه
تشبثت انا بالغفران قميصا / ص55
فالذات الشاعرة هي مرتكز النص وبؤرته المشعة على الوجود الذي تتنفس محطاته من خلال التعبيرات المشحونة بطاقة انفعالية متوترة من اجل الحفاظ على العاطفة المتمردة ببناء فني يكشف عن روح مازجة ما بين التأمل والتداعي، فتقدم نصا يتميز بقابليته الحركية زمانيا ومكانيا بحكم طاقته المتولدة في ذاته النصية كي يستفز ذاكرة المستهلك(المتلقي) ويسهم في تحريك خزينه الفكري، كونه يقوم على شعرية الرؤيا في اطارها البنيوي مع اتكاء على حقول دلالية(زمان/مكان/ثنائيات ضدية..)..مع ايجاز وتكثيف العبارة وعمق المعنى، وتمحور النص بنزعة انسانية عبر صور تكشف عن عمقها الدلالي باعتماد اللغة اليومية فكرا.. والمرئية متخيلا، فتقدم المنتجة (الشاعرة) حالات شعورية بصور تضفي شعاعا على فضاء النص النابض بالهواجس الذاتية، مركزة على جمالية السياق لتحقيق الوظيفة الانفعالية المستفزة للذاكرة، فضلا عن اعتمادها تقنيات فنية منها تقنية التكرار اللفظي التوكيدي في تشكيل البناء النصي الذي ينجم عن موقف انفعالي في ضربة إيجازيه تتميز بالتعبير المقتضب، الموحى، والتنقيط الذي يستدعي المستهلك لملء بياضاته.
الانثى التي ترتب انفاسك المضطربة
تضم فوضى شعرك الملقى في الحانات
تعيد صياغة رئتيك
وتلم شتات شفتيك
تعلمك رقصة الندى
تدربك على ايقاع الغواية في قصيدة غجرية
تقيك افلاس الازقة من ضحكات المحبين
تحمل معك جنون التلصص
ترسم لك افكارا مختلفة
تدوس عنك شظايا الوحدة
تعرفك على ذاتك المهجرة /ص90 ـ ص91
فالشاعرة تستحضر الاخر فتقدم لحظات وامضة بصيغة درامية مكتظة بالإيقاع المنبعث من بين ثنايا الالفاظ، اضافة الى تركيزها على العناصر الشعورية والنفسية الخالقة لجدلية (الذات والموضوع) لخلق نص الرؤيا في اطاره البنيوي مع تجاوز المألوف والانطلاق في فضاء الوجود والطبيعة وصولا الى اللحظة الانفعالية المولدة للوظيفة الجمالية المتمثلة في الإدهاشية المفاجئة.
وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا مكتنزة، متميزة بعلامتين مضيئتين: ولهما البنية الدرامية وثانيهما اللغة المنطلقة من ضمير المتكلم الانا…مع اعتماد مستويين متداخلين: أحدهما صوتي والاخر جمالي بوحدة بنائية احتضنت الفعل الشعري والاستدلالي والانفعال الشعوري.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة