الحداثة الشعرية والبناءات المحققة لها

«الحب وأشياؤه الأخرى» للشاعرة حذام يوسف طاهر

خليل مزهر الغالبي

في قراءتي للمجموعة الشعرية «الحب وأشياؤه الأخرى للشاعرة «حذام يوسف طاهر» اتضح ان النصوص كتبت وفق مفهوم الحداثة الشعرية ،ومن خلال التوصيفات المتمثلة بتجديد كتابة القصيدة النثرية، فمن حرص الشاعرة في مجموعتها هذه على الايجاز اللغوي والتكثيف وبما يعطي للنصوص الفعل الشعري، فكان للإيحاء والاشارة والتقطيع المشذب للجمل والانساق، اضافة لميلها لعمل الفراغات الكتابية الممتلئة بالشعر ،ومن الايماء المطارد والمشير للمعنى الماثل بين اجنحة اليات الكتابة وانساقها الشعرية، واتسمت البناءات النصية على البناءات القصيرة، لمراد الشاعرة في فتح اكثر من نافذ تطل بها وهي تحمل متعدد رؤاها. ومن تعاطيها الملفت لهذا البناء الفني في مكونات وبناءات الانساق والصور، هذا النهج يفتح ابواب التلقي كثيرا وبما يسهم في مشاركة القارئ في كتابة النص وفق مفهوم التلقي الذي يذهب منظروه… ان النص ماثل من خلال التلقي، هذه النظرية التي دفعت كثيرا لرسم سمات واليات كتابة النص الشعري الحديث…
في النص الاول للمجموعة -الحب وأشياؤه الأخرى-اتسمت الحالة الشعرية في النص بالشفافية الشعرية وهي تشكل الخطاب الشعري للنص…
(أعلم إنك غادرت ..
فمنذ ألف وهم
وأنت ليس هنا
تشكل حروفا من اللا معنى
ياااااا .. أنت
ستبحث عني كثيرا
ولن تجدني
ستكتب عني كثيرا ..
ولن تقرأني
س ……. تبقى تحبني
لكن الذي في داخلك
سيبقى يلعنك
………..).
ويتضح في النص حرص الشاعرة «حذام طاهر» واعتناءاتها على الغرابة المفارقة والانزياح البعيد وايماء الاشارة، وهذه المثولات الفنية من الضرورات المتلازمة حيث الاضفاء الجمالي للنص مع دعوة القارئ بعد تنبيهه وادهاشه للإنشداد، فهو نص يسمعنا روح الشاعرة اللائبة للحب وجمال القيم الحياتية وأنسنتها.
وفي النص القصير «سكووووت» والتي توحي العنونة، من تكرار حرف الواو على ثقل هذا السكوت، ومن فعل دالة تكراره وبما يثير انتباه المتلقي، اضافة الى كلمات – طويلا-وكثيرا – الدالة على التعب في السير المتسم بالطول وتعدده الكثير والبحث، حتى يأخذنا لمفرقة السلوك بشتم المارة كتعبير عن جزعه وقد راح بالتيه حد اصطدامه بسيارة الاسعاف، وهي حالة تعني الكثير هنا…
(سار طويلا …
بحث كثيرا …
كان ماهرا في شتم المارة
سار طوييييلا
ولم يتوقف ..
الا بإصطدامه .. بسيارة إسعاف !!)
كانت البناءات القصيرة لنصوص المجموعة لزوميات في جمالية النص، فأي اضافة واستطالة ترمي النص للورم الغير حميد شعريا، لذا كانت مثولات المقاصير مثولات صحية ذات عافية شعرية واضحة، وهي تبتعد عن الوقوع في الاضافات الزائدة الغير مرغوب فيها والمنغصة للتلقي…
واتضحت اطمئنانية النصوص من إداءها الشعري وإيصاليتها الجمالية، وبمعمول مختصر بعيد عن الوقوع في الضغط الخانق والقطع المشوه والمانع للواسع الشعري، والتي تؤكد على انتباهة واتقانة الشاعرة لهذا النهج الحداثوي للكتابة الشعرية.
وحرصت النصوص لإنضاج خطابها الشعري ومن خلال نضوج ومعرفة الشاعرة اليات نهجها الكتابي، ويمكن هنا قراءة توصيف نص «لغز» لماهية الله وفهم كونيته المعززة للمحبة وهي من مواصفات النهج الأنسني في الشعر والكتابات الادبية عموماً…
(كل يحاول الوصول
كل يحلم بالقبلة الأولى
كلنا سجدنا لمحراب الحب
وسبحنا بآياته
لكننا لم ندرك
معنى أن الله محبة)
وكما في نص «يوما قريبا إذن» في دعواه لرفض جميع حالات الرداءة التي ظهرت كثيراً في الحراك الاجتماعي من سارق الدف الذي يكون بمثل قرد يشوه العزف الجميل…وقد عملت الشاعرة هنا على ايقاع جميل لتقفية الانساق الشعرية للنص القصير،
(سنستقلّ الحافله
سنكون يوما ذائبين
في ثنايا القافلة
لنسأل عن سارق الدف الذي
تاه في جوق أبواقٍ قاتله
يوما قريبا إذن
سنمسكه .. ونحاكمه
على عزف مشوه
خان الحياة ليكون قردا
في قوافل زائله)
وكما في نص سابق وهي تترنم بأغنية اعزاز ذهبت»حذام طاهر» تعلق شعريتها على اغنية فيروز في قصيدة «يوم ممطر»
(…..
إلا إنني اسمع رنين الكلمة .. احبك أنثاي
أتأمل حروفك وهي تمطرني حياه
فأبلل أصابعي بحبات المطر وأدندن .. « بعدك على بالي .. يا حلو يا مغرور يا حبق ومنثور على سطحي العالي «).
وهذا توجه للانفتاح على الاجناس والفنون الاخرى وبما يغني اليات الخلق الشعري وينضجه جمالياً.
وهنا تأخذنا النصوص لقراءة خارج المكتوب المرئي حيث تداعيات لغتها وايماءاتها لتكون المقاصير واسعة شعرياً وهي ماكثه خارج الكتابة المرئية وفق تماسك شعري فاعل منساب بعيد عن خلل القطع في بناء النص.
حيث المقاصير اتسمت بالتكثيف اللغوي باعتماد ايحائية اللغة واشاراتها وكانت هناك فراغات كتابية ملأتها الشاعرة بالكتابات الشعرية الغير مرئية تركت ملإها من الفعل القرائي، وهذا ما فتح مداخيل واسعة للمتلقي للمشاركة وفق مفهوم كتابة النص ثانية ولما هذا النهج من خلق استئناس قرائي للمتلقي وفق منطلقات التأويل.
وفي نص «وطن بلا مأوى» وهي تنشد أكبر وأخطر المفاقيد للإنسان وهو الوطن كما قالت…
(يا لصبرك يا عراق!
يا لصمتك يا وطن دون وطن
تناجيك المناجل
تشتتك المنابر
تحكي الطفولة عن خيانات السنابل
وعن تمثال سمسار المعابد
فتصمت واقفا
تحصي على الناجين آهات القنابل
وتلبث واقفا على جسر تهتك من دم الأحرار
قلقا على روح ترفرف في المقابر)
وقد حاكت الشاعرة «حذام طاهر «ضياع الوطن كثيراً في النص كماهي خارج النص في احتجاجاتها، بوصفها الوطن بلا وطن للإنسان، حين تنقل هذا الوطن الغالي بين المنابر الرخيصة واصنام الاخرين بوصفهم بمثل تمثال سمسار لمعبد سلفي، وهناك زحام من البشر يزورون مقابر ضحاياهم بروحهم التي ترفرف بالحنان والتحسر لهذا الفقد الكثير والمتوالي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة