نخل السماوة

يبدو ان اغنية «نخل السماوة» تحولت الى علامة فارقة تميز محافظة المثنى ، تلك المحافظة المترامية الاطراف في مساحتها التي تمثل ثاني اكبر محافظة في العراق من حيث المساحة بعد محافظة الانبار ، وهي تكبر لبنان بخمس مرات واكبر من دولة الامارات بثماني مرات !!.. وفيها كُتب اول حرف منذ اكثر من ٣ آلاف سنة قبل الميلاد ليتعلم العالم منها فيما بعد الكتابة ..
نخل السماوة الذي روى قصته حسين نعمة اصبح اليوم بلا تمر فعلا بعد ان طرّه العطش والإهمال ، والمثنى ، المحافظة ومنذ عقود تمكنت من المحافظة على موقعها الاول بين شقيقاتها المحافظات الاخريات من حيث نسبة الفقر بين ابنائها ، اذ مازال اكثر من ٥٠٪ من السماويين ينهشهم الفقر ، والنصف الاخر منهم ، يعاني شظف العيش ، او انه بالكاد يعيش ، وليس هذا وحسب ، انما المثنى تتميز عن المحافظات ،بوجود اعلى نسبة فقر على مستوى الاقضية والنواحي والقرى ، ففي بعض مناطقها تتجاوز نسبة الفقر ال(٧٠٪) !!..
وعندما تتجول في شوارعها ، فلن تجد فيها شارعاً سليماً ، لذلك تجد ان الاتربة تغطي كل شيء ، وعموما فان مشهد المحافظة مؤلم جدا ويبعث على الوجع ، وحالها يذكرني دوما بقصيدة الشاعر اليماني عبدالله البردوني عندما وصف صنعاء بقوله ( ماذا احدّث عن صنعاء ياابتِ ….. مدينة عاشقاها السل والجربُ) .. مع الاعتذار الشديد لأبناءالمثنى وتاريخهم الضاج بالبطولة والتضحيات ، فهم من علّموا الناس الكتابة ، وهم من رسموا للبشرية مسارات الشجاعة وعدم السكوت على الضيم ، وثورة العشرين خير شاهد على ذلك ..
المثنى اليوم ، لا تشبه بقية محافظاتنا ، فأي محافظة تدخلها الان ،حتى تلك التي تحررت حديثا من براثن الارهاب الاسود ، تجد فيها لمسات تغيير وتطور هنا وهناك ، الّا المثنى ، فهي مازالت تنام على مأساتها من دون اي تغيير ..
تُرى اين المشكلة ؟ ومن يتحمل كل هذه المأساة ؟ .. نعم كل المحافظات مازالت تعاني الكثير ، ولكنها في مجمل اوضاعها ، تبدو افضل من المثنى ..
يقول اولو الامر المثناويون ، ان السبب وراء مأساتنا ، هو ان الحكومة تعاملنا على اساس عدد سكان المحافظة ، ولأننا الاقل عددا بين المحافظات ، فان تخصيصاتنا المالية تأتي قليلة جدا ولا تمثل شيئا ازاء الواقع التنموي المتهالك جدا ..
طيب اذن ما الحل ؟.. هل تستقدمون بشرا من الكواكب الاخرى او من الدول الصديقة او حتى من المحافظات المجاورة لكي تزيدوا عدد نفوسكم لتحصلوا على اموال اكثر من الحكومة ؟!!.. ومن يضمن لكم ولاء من تأتون بهم للمحافظة ؟؟!!..
قطعا ، ان امرا مثل هذا لن يكون بالإمكان تحقيقه ، فزيادة السكان هي ايضا ستنعكس سلبا على واقع المحافظة وتدفعها نحو المزيد من التدهور !!
وهنا نقول ، ان محافظة المثنى ليست فقيرة ، وفيها من الموارد ما يمكن ان يغير حالها نحو الافضل ، فبادية المثنى المترامية تمثل مصدرا مهما للكثير من المواد الاولية التي تدخل في الصناعات الانشائية ومواد البناء ، كما انها تمثل اكبر خزين للملح الذي يمثل هو ايضا مادة اولية للصناعة ، كما بالإمكان تنمية الاستثمار الزراعي في هذه البادية لوجود كميات كبيرة من المياه الجوفية من خلال زراعة العديد من المحاصيل الاساسية مثل الحنطة والشعير والطماطة وأنواع الخضر الاخرى ..
وليس هذا وحسب ، بل ان المحافظة ترتبط بحدود جغرافية مع المملكة العربية السعودية ، وهناك منفذ مشترك ، هو منفذ (جميمة) الحدودي ،الذي سبق ان اتفق الجانبان العراقي – السعودي على تأهيله ليكون منفذا تجاريا مهما ، يمكن ان تحصل المحافظة على ٥٠٪ من ايراداته التي يُتوقع لها ان تكون ضخمة وذات اثر تنموي سريع ..
وعندما اتحدث بهذا المنطق ، فليس معنى ذلك ، انني ادعو الحكومة الى الغاء تخصيصات المثنى ، بل على العكس ، ادعو الحكومة الى الاهتمام الاستثنائي بهذه المحافظة «المنكوبة».. ولكن اقول اننا وفي ظل ضيق ذات يد الموازنة وقلة التخصيصات الاستثمارية وتنمية الاقاليم ، يجب ان نذهب الى حلول ومعالجات يمكننا من خلالها تحسين واقع المثنى ، من خلال الاستثمار في المزايا الاقتصادية التي تتمتع بها المحافظة ..
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة