دراسة.. الجزء الاول
عبد علي حسن
قامت الرواية الواقعية على تمثل الواقع تخيلا ، أي اعتمادها على حبكة حكائية ذات أحداث محتملة الحصول في العالم الواقعي وامكانية وجود الشخصيات الروائية الإفتراضية في حركة الواقع ، لذا فقد كانت هذه الرواية الواقعية بمنزلة حكاية أخرى تضاف الى الحكايات التي يزخر بها الواقع الحياتي وتتمثل قدرة الروائي على تخليق أحداث وشخصيات استثنائية تتمتع بقدر كبير من تضمينها وجهات نظر تثري الواقع بهذه النماذج برؤى فكرية وفلسفية وجمالية نافذة ، ولعل في ذلك علة بقاء تأثير عدد من الروايات الواقعية في الذاكرة الفردية والجمعية على حد سواء وسريان سحرها الجمالي والمعرفي لمدة زمنية طويلة نسبيا ،
والأمثلة على ذلك كثيرة بدءا من روايات القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن العشرين الذي شهد تطورا ملحوظا في بنائية رواية الحداثة ومابعد الحداثة ارتباطا بالتطور الحاصل في البنية الاجتماعية وظهور الحاجة الى انواع روائية جديدة تتمتع ببنائية جديدة تهدف الى خلخلة البنى التقليدية المستهلكة التي وضعت المتلقي في منطقة استهلاك النص الروائي ونقله الى مستوى المساهمة في انتاج النص عبر آليات تأويلية جديدة تستجلبها مرجعية المتلقي المعرفية والجمالية المتطورة ، لذا كان لابد من الإنتقال بمستوى التخييل من الواقعي المحتمل الحدوث الى التخييل المتجاوز للواقع وامكانيات حصوله ، فكانت الواقعية السحرية والعجائبية مدخلا مهما من مداخل رواية مابعد الحداثة التي اسهمت تمظهراتها الجديدة في خرق التتابع الكرونولوجي وتعددية الرواة وآليات مابعد السرد (الميتا سرد ) في تقديم تصورات جديدة للمتخيل تنقل النص الروائي الى فضاء جمالي متسع ومؤثر في اثراء ذائقة المتلقي ، فضلا عن مايتمتع به هذا المتخيل الجديد غير محتمل الوقوع من استقلالية وتفرد التخليق الذي يستبطن رؤى جديدة غير مستهلكة ، وهنا تكتسب القدرة التخيلية للروائي أهمية قصوى في امتلاك النص الروائي أهميته وتأثيره ، وعليه يتوقف اعتبار جدة هذا النص أو ذاك ، ومن هذه المنطقة سنقوم بتحليل تخيلية رواية (لماذا تكرهين ريمارك ؟)للروائي محمد علوان جبر الصادرة عن دار الحكمة /لندن 2018ط أولى /بغداد .
تتحرك رواية )لماذا تكرهين ريمارك ؟(في منطقة مأهولة للرواية العراقية ، خاصة بعد ظهور الاحتراب الطائفي في العراق الذي مهد لقيام تنظيم (داعش)منذ عام 2005، واستحواذه على مساحة كبيرة من ارض العراق ، وكذلك ظهور الجماعات المسلحة (الميليشيات)، كما قدم الروائيون العراقيون مقترحاتهم الروائية عبر صيغة وآليات تكاد تكون متشابهة من خلال لعبة الميتاسرد ، فضلا عن التشابه في حيثيات تكوين المتن الروائي ، اذ غالبا ما نجد الشخصية المركزية خارج حدود الوطن لأسباب أمنية اجبرت على الهجرة والإغتراب هربا من ملاحقات النظام الاستبدادي السابق لتبقى هذه الشخصية على صلة بالوطن عبر الصلة بينها وبين من تبقى من العائلة في الداخل ، وفي ظرف ما تعود هذه الشخصية الى الوطن وتبدأ في كتابة تقرير او رواية او سيناريو لفلم يصور مادار ويدور في العراق اعتمادا على معطيات افرزتها حركية احتلال القوات الامريكية للعراق وكذلك النزاعات المسلحة التي اتخذت طابع الحرب الأهلية في اغلب مظاهرها ، هذه البانوراما للواقع العراقي كانت ميدانا لعدد كبير من الروايات العراقية المعاصرة التي تشاركت في قاسم مشترك وهو كيفية كتابة مايجري عبر استعمال آلية الميتاسرد التي استهلكتها الرواية العالمية والعربية والعراقية كثيرا ، حتى بدت وكأن هنالك روائيا واحدا قد كتب هذه المجموعة من الروايات المتشابهة ، وان اختلفت فبإختلاف الأحداث المختارة ، ولاتفترق رواية (لماذا تكرهين ريمارك ؟)للروائي محمد علوان جبر عن الاتجاه المشار اليه آنفا ، فمنذ العنوان يدرك المتلقي انه ازاء رواية ستتحدث عن الحرب ، اذ أن ريمارك هذا هو الروائي الألماني اريش ماريا ريمارك 1898–1970-الذي استحوذت عليه فكرة الحرب ومعطياتها النفسية على الفرد الألماني وصارت الموضوع الأثير في جميع روايته ، ولعل اهمها رواية (كل شيء هاديء في الجبهة الغربية (عام )1929، وكانت رواياته تلك تزعج الشعب الألماني لأنها تذكرهم دوما بالحرب ، فهل انتقلت هذه الكراهية الى (هالة)حبيبة بطل الرواية برهان حين رسم لها تلك اللوحة التي اسماها (لماذا تكرهين ريمارك ؟)؟وبعد قراءتها لرواية ريمارك )كل شيء هادئ في الجبهة الغربية(مشيرا الى ان اللوحة قد انجزت حين كان (برهان ) طالبا في معهد الفنون الجميلة في ثمانينيات القرن الماضي ، فأي حرب كان ريمارك يذكرنا بها ؟ واذا ماعرفنا طبيعة روايات ريمارك الخاصة بالحرب وسبب كراهية الشعب الألماني لها فإن السؤال الموجه الى (هالة)لامبرر له ، لأن رأيها قد تماهى تماما مع رأي الشعب الالماني الذي كان يرى في روايات ريمارك تذكير بقسوة الحرب وهي لم تعرف ذلك مسبقا وانما قادتها قرائتها للرواية الوصول الى هذا الرأي ، ولاسبب مقنع لتوجيه هذا السؤال الذي يعرف برهان الاجابة عنه ، ولعل فضيلة استثمار اسم ريمارك في كونه اشارة الى معطيات حرب الخليج الاولى التي ادت الى التفكك الاجتماعي وهرب عدد كبير من ابناء الوطن من بطش النظام البائد ومن محرقة الحرب ، ومن هؤلاء الفارين خارج الوطن (برهان )الذي يبقى على صلة بأخته (ثريا)الباقية الوحيدة من عائلته ، ويحاول المؤلف خلق جسور بين الوقائع الحاصلة في الواقع العراقي الممتدة من ثمانينيات القرن الماضي وحتى دخول القوات الأمريكية العراق محتلة بذرائع مختلفة.