قتل الرجل في الرواية النسوية التي يكتبها الرجل

رواية ( رسائل رطبة ) الروائي نبيل جميل (1)
عبد الغفار العطوي

في كتاب ( إيهاب حسن – اوديب أوتطوّر ما بعد الحداثة ) (2) يؤكد السيد امام ان إيهاب حسن واحد من اهم منظري ما بعد الحداثة، وفي سيرته الذاتية (الخروج من مصر) (3) التي نقلها جرزي ديوراك لوبلين في الكتاب نفسه في حوار معه إغفال ايهاب حسن العنصر الاكثر اهمية بشكل ما يتعلق بسيرته الذاتية كمهاجر، عملية التحول المرتبطة بالكيفية التي اصبح بها امريكياً، كان كالعادة حينما تأتي فكرة الهجرة يطل أوديب وجها ً من وجوه الانتقال من فكرة الرعاية الى فكرة التحكم، يقول ايهاب حسن: إنني ارتاح اكثر لصيغة المذكرات، وفي ردّه على سؤال ثان حول إمكانية ان تكون سير المؤلفين المهاجرين ناجحة : ان كل من يعتقد ان حياته قصة (ناجحة) احمق بكل تأكيد، هذا هو السبب في وجود الدين والنزعة القومية والعلم والفن، لأن النجاح الحقيقي قلّما يدركه البشر (4) لكن ايهاب حسن في حواره مع دانيال كولمان (الذات المنفعلة للذكورة – الجندر والاستشراق في (الخروج من مصر) و(إرث العائلة) (5) يقول ان اهتمامي بالعلاقات المتبادلة بين الجندر والهجرة وما بعد الكولونيالية ذو جذور شخصية، من هنا تطل فكرة ( اوديب) وهيمنة الأب في رواية نبيل جميل (رسائل رطبة) امامنا كإشكالية في كيفية فشل ( خالد) في الهجرة والموت غرقاً، من هو الذي جعل النهاية المأساوية لا تنتهي الا في غرق البطل، بينما نجح ايهاب حسن في الوصول الى امريكا ؟ أي من اشترط أو اقترح على الكاتب (قتل) بطل الرواية في المحاولة الأولى في سفره لمصر، فشلت تصفية البطل رغم انه زوّر اسمه وجوازه واستبدل موته بالتهمة التي لم تكن تخطر بباله ان صاحب الجواز الحقيقي (زكريا) هو كان المقصود بينما الأخير يسمسر على زوجته الراقصة المصرية ( نورا ) في ملاهي شارع الوطن في البصرة، بيد ان غرقه في الثانية صار متوقعا، لأن (عائشة) الشاعرة المغربية الامازيغية ليست في انتظاره وهو يخطط لوصوله لألمانيا بينما عائشة في المغرب، ربما يجهل الروائي ان الانحياز للنساء في عالم السرد ليس بهذه السهولة، وان مسلسل قتل الرجال يحول روايته الى اشتغال سرد نسوي من الدرجة الأولى الممتازة دون ان يدرك ان نقطة التفارق بين نجاح إيهاب حسن في الهجرة من مصر كسيرة ذاتية وبين ما كتبه نبيل جميل في سيرته الروائية هو فكرة (اوديب) التي جعلت من ايهاب منظّرا لما بعد الحداثة في تجاوزه لأصعب سلطة يواجهها مثقف ينتقل من الشرق الساحر الى الغرب المستنير، لن يستطيع نبيل جميل سوى القضاء على رجاله واحداً واحدا والابقاء على عائشة كصفة جندرية ترتبط بأصل الصراع بين المركزية الذكورية العربية والهامش الامازيغي الانثوي، لن يستطيع خالد العراقي القادم من الشرق الفوز بجسد المغربية عائشة ولو عشقها لمدة ( 15)عاماً وكتب رسائله الرطبة لها وكلّمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، القضية ليست هكذا ان تكتب رواية سيرية، أن تضع الأنا الانثوي بديلاً للهو أو الأنت الذكوري، وإن احتال الكاتب في ان ينعش سلطة الأب بانتشال روايته الغارقة في البحر من قبل رجل يوناني اسمه (سيمون فليبس) احد افراد خفر السواحل اليوناني، هذا لا ينفع في إحكام السيطرة على قناعة ان الرواية الغارقة هي هذه الرواية التي نقرأ، رواية خالد التي يتجسد فيها اوديب جلياً، فيحبط مغامرة خالد في الوصول الى عائشة عكس ايهاب حسن الذي وصل امريكا، ما المانع الذي حال بين خالد أو الكاتب (ضمنياً) في لقاء عائشة بعد موت الأب السياسي (صدام) بعد عام 2003؟ بينما سمح به في حضرته ونفاذ هيمنته، إن الإشكالية في وصول ايهاب حسن وعدم وصول نبيل جميل (وهو أي عدم الوصول ينطبق على كل من يؤمن بسلطة أوديب) جاك لاكان يقوم بوضع وظيفة الأب في مرتبة ذات اهمية عظمى – فيعزو في مقالة له نشرت عام 1938 حول العائلة اهمية عقدة أوديب الى حقيقة ان لشخصية الأب وظيفتين تكادان تكونان متناقضتين وظيفة الحماية و وظيفة التحريم (6) ايهاب حسن نجح في الوصول الى بغيته بعدم إيمانه بنبوءة اوديب، استطاع ان يفكك العقدة فلا يشعر بتبعاتها في الحماية والتحريم، البطل خالد ومن ورائه الروائي نبيل جميل وأنا وأنت آمنّا بعقدة اوديب، وارتبطنا بوظائف الأب الرضائية والتحريمية، وان خالد بات يعاني من وظيفة التحريم التي مارسها أبوه عليه في تزويجه من امرأة لا يرغب بها، وان يمارس الأب السياسي الذي مثلته السلطة المستبدة شعورا بالاغتراب والعدمية والدونية على خالد، ويجد ان نساء الملاهي والراقصات اكثر مهادنة وتعاطفا في محاولته السفر الى عائشة، وان لا يكتفي بالرسائل الرطبة التي امتدت لـ (15) عاماً، لعلّ شرعنة قتل الرجل في الرواية النسوية التي يكتبها الرجل تعني تحوّلاً للهامش الانثوي الى مركزية في الهوامش وهو غير ممكن مما يؤدي الى الاغتراب الانثوي، أي ان يشتغل الهامش على نفسه وهو بطلان محض.
إحالات:
1 – رسائل رطبة ـ رواية نبيل جميل ـ الطبعة الأولى 2018 ـ دار أمل الجديدة دمشق.
2 – ايهاب حسن اوديب أو نطور ما بعد الحداثة إعداد و ترجمة السيد امام الطبعة الأولى 2018 الناشر دار ومكتبة شهريار العراق – البصرة ص 5
3 – المصدر نفسه ص 9
4 – المصدر نفسه ص 10
5 – المصدر نفسه ص 99
6 – معجم تمهيدي لنظرية التحليل النفسي اللاكاني ديلان ايفانس ترجمة د – هشام روحانا ـ دار نينوى دمشق الطبعة الاولى 2016 ص 39

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة