أحمد فاضل المعموري
أن تشريع قانون الاحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 ، يعد حدث مهماً في الحياة السياسية والاجتماعية في العراق ،بوصفه يبيح وينظم التعددية السياسية والحزبية على وفق القانون ،وأحترم أرادة المواطن ،وانسجاماً مع متطلبات الحياة السياسية الجديدة وما تفرضه من تحولات ديمقراطية ، وتصب في تنظيم الإطار القانوني لعمل الاحزاب السياسية على أسس وطنية وديمقراطية تضمن التعددية السياسية وتحقق مشاركة أوسع في الشؤون العامة، ولكي لا تبقى نصوص ومواد القانون رهينة وقاصرة التنفيذ العملي ، يحتم على أصحاب الاختصاص من القانونين والسياسيين تقييم وتقويم هذه النصوص ،لكي لا تكون متعارضة أو معطلة التطبيق في الحياة العملية عندما يصبح نص متأرجح بين الاستيعاب للواقعة وبين الانكفاء على نفسه ،غير معبر عن أرادة المجموعة المستهدفة في عملية التطبيق والاستفادة منه على أكبر نطاق ، وتصبح أرادة المشرع مشلولة وناقصة في الالمام بمديات هذا النص القانوني في المستقبل أو يستوعب الحالات ،قد يشكل خلل جسيم عندما تصب آلية التطبيق ومسيرة التنفيذ ضمن نفاذ النص وسريانه ، سوف نتطرق لبعض النصوص التي تضمنها قانون الاحزاب السياسية العراقي ،لما لهذه النصوص من أهمية في الواقع التطبيقي والعملي المعول عليها ، أن تنظيم الاحكام والاجراءات المتعلقة بتأسيس الاحزاب وأنشطتها السياسية تحقيقاً لمبدأ التعددية السياسية والحزبية والقائمة على الشرعية الدستورية ، والقائم على مبدأ المواطنة ،وهو يتخذ من الآليات الديمقراطية مبادئ أساسية لاختيار القيادات والمؤسسين لهذه الاحزاب ، ومن هذه المبادئ القانونية :-
1. أن المشرع العراقي لم يتطرق لفلسفة الديمقراطية التي هي ثنائية متلازمة مع الآلية الديمقراطية( الاجراءات ) لتكوين هذا المصطلح السياسي في الحياة العملية وبناء التجربة الديمقراطية الصحيحة ،كما جاء في نص المادة -6- من القانون (يعتمد الحزب السياسي الآليات الديمقراطية لاختيار القيادات الحزبية ). وهو ركن مهم من أركان الديمقراطية المعروفة في النظم السياسية والحزبية ،وعندما تفسر المرجعية الادارية أو القضائية لهذا النص في وضع القوانين أو الانظمة أو التعليمات من قبل الجهة التي تسمى (دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية) وهي المرتبطة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومجلس المفوضين الذين يقررون ما يشاؤون على وفق آلية أصادر القوانين والتعليمات والانظمة والتي ترتبط تنفيذياً مع مجلس الوزراء وأشراف مجلس النواب ،حسب قرار المحكمة الاتحادية العليا بتفسيرها للهيئات المستقلة ، فأنها تأخذ بهذا المنطق الضيق والمشوه للمصطلح .
2. كذلك اشار القانون في نص المادة -8- يشترط لتأسيس أي حزب ما يأتي: رابعاً: (أن لا يكون من بين مؤسسي الحزب أو قياداته أو أعضائه من ثبت بحكم بات قيامه بالدعوة أو المشاركة للترويج بأية طريقة من طرق العلانية لأفكار تتعارض مع احكام الدستور). قد يفسر هذا النص الى من يثبت تورطه برفض الدستور أو مواده أو من عمل على تغيره أو يروج لتغيره سبباً من أسباب حرمان الانتماء والتأسيس والقيادة للأحزاب التي تؤسس ضمن القانون في المرحلة المقبلة ، وهذا نص معيب وغامض ومخالف للدستور، حيث أن اغلب الاحزاب والكتل والشخصيات المستقلة والشعبية والمرجعيات الدينية والسياسية قد عارضت نصوص واضحة وصريحة في هذا الدستور وهي سبب مباشر للمحاصصة ،وتجزئة كيان الدولة وان تضمين نص القانون بالحرمان وعدم السماح لتأسيس وقيادة الأحزاب السياسية من قبل أشخاص أو جهات عارضت أو تعارض ما موجود من نصوص دستورية هي غير ملائمة لطبيعة النص القانوني ولا تتطابق مع مبادئ الحرية الفكرية ولا تؤمن بالدولة الدستورية التي هي متغيرة ومتطورة بحكم التغير السياسي والاجتماعي في دولة مثل العراق وهي دولة نامية وناشئة ، ولا يوجد دستور دائم وأبدي في كل دول العالم .
3. كذلك أن المشرع غير موفق في تضمين نص لا يتلاءم مع الاتجاهات الوطنية والشعبية والدولية في(مكافحة الفساد المالي والاداري ) وسد الطريق على من اثرى على حساب المال العام في تضمين نص مخجل مع كل الدعوات والصيحات والمظاهرات التي نددت بالفاسدين والمفسدين في الاوساط الشعبية والاجتماعية وطالبت بمحاسبة الفاسدين وسراق المال العام من أعلى المراجع الوطنية وتمكين القضاء المستقل من المحاسبة العادلة ، ولكن المشرع اعطى شرعية تأسيس أحزاب وتنظيمات سياسية وفق قانون قاصر عن بلوغ المرحلة الشعبية في منع الفاسدين وهو عدم وجود قرارات وأحكام باتة في سرقة المال العام ،للكثير من الذين استغلوا مناصبهم الوزارية أو الادارية والاثراء على حساب المال العام ،دون عقوبة إدارية أو قرارات قضائية مما يحجم دور القانون ويضفي الشرعية لهم في تأسيس وتكوين احزاب ممولة من المال العام وعلى حساب رغبة الشعب ،وكان على المشرع تضمين النص شبهة الفساد المالي والاداري وليس تضمينه قرارات باتة كما جاء في نص المادة -9- يشترط في من يؤسس حزباً أن يكون:- ثالثاً: (غير محكوم عليه بحكم بات من محكمة مختصة عن جريمة القتل العمد أو جريمة مخلة بالشرف أو جرائم الإرهاب أو الفساد المالي أو الإداري أو الجرائم الدولية ،……..).
4. وهناك مسألة موضوعية تخص تناقض النصوص في فرض الجزاءات الاحتمالية وهي معيبة وغير مناسبة في قانون الاحزاب السياسية الخاص ولم تبين نوع المخالفات التي تشملها العقوبة ويصار الى تقديرها ضمن لوائح أو تعليمات، كما جاء في نص المادة -53- (يعاقب بغرامة لا تقل عن (1000000) مليون دينار ولا تزيد على(3000000) ثلاثة ملايين كل من ارتكب مخالفة لأحكام هذا القانون ولم تحدد لها عقوبة خاصة ). وهنا نتوقف وندقق المادة مع النص الدستوري سوف نلاحظ تعارض وتناقض بحكم المادة (19): ثانياً :ـ (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، ولا عقوبة إلا على الفعل الذي يعده القانون وقت اقترافه جريمة، ولا يجوز تطبيق عقوبة اشد من العقوبة النافذة وقت ارتكاب الجريمة ). وهذا النص هو نص آمر بحكم الأعلوية والتطبيق ويحوز مكانة القانون ويعطل أي نص مخالف له ، فلماذا ضمن المشرع نص مخالف للدستور ، وكذلك ضمن النص فقرة الرجوع لقانون العقوبات العراقي وهو نص عام أمام نص خاص ، كان الافضل ان يحدد المشرع في هذا القانون رؤية وفلسفة الثقة بقانون الاحزاب دون التقرب من قانون العقوبات العراقي الذي هو حتما أوسع نطاقاً وأكثر شمولية وأعطى للاجتهاد القضائي توسيع وتكيف وقائع وحالات قد تخرج عن نطاق هذه الجزاءات وتشمل عقوبات غير محددة ضمن القانون الخاص ،كما جاء في المادة -55- (لا تخل أحكام هذا القانون بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 أو أي قانون أخر ). وهنا نحن أمام نص معيب ومخالف لمبادئ وقواعد التشريع الحديث في فرض القاعدة القانونية المجردة العامة في ظل وجود المبدأ القانوني (( الخاص يقيد العام )) بحكم الواقعة فكيف يتضمن قانون مهم ويلعب دوراً حيوياً في الحياة السياسية والاجتماعية نصوص معيبة وتضمين نصوص مبهمة في ظل دستور دائم ونظام حكم ديمقراطي ، أن وضوح الاحكام والعقوبات الجزائية في ظل الدستور الدائم والنظام الديمقراطي التي أسست على ضوء التشريعات العالمية هي معرفة العقوبة الاصلية أو التكميلية و الغرامات التي حددها القانون بشكل واضح وشفاف.
5. أن المشرع لم يوفق في عدم إعطاء صفة الاستقلالية في القانون لمن يرأس هذه الدائرة المهمة ،من خلال استحداث دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية وهي دائرة ذات اهمية كبرى في العمل الاداري للتنظيمات والأحزاب المنضوية في القانون ،وانما اضفى علي من يترأسها سمات الخبرة والنزاهة والاختصاص فقط ولم يتطرق للاستقلالية في العمل ويرتبط ارتباطا مباشرتاً بمجلس المفوضين ،كما جاء في نص المادة -17- أولاً : (تستحدث دائرة تسـمى (دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية) ضمن الهيكل التنظيمي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات وترتبط بمجلس المفوضين مباشرة يرأسها موظف بدرجة مدير عام من ذوي الخبرة والنزاهة والاختصاص حاصلاً على شهادة عليا في القانون أو العلوم السياسية وتضم عدداً كافياً من الموظفين. وتتمتع دائرة شؤون الاحزاب والتنظيمات السياسية بالشخصية المعنوية والقانونية ويمثلها في المحاكم الرئيس او من ينوب عنه). وكلنا يعلم ان الانتخابات الماضية كانت دون المستوى المطلوب وما أصابها من جدل واسع في آلية عمل هذه المفوضية و ادارة العملية الانتخابية .
أن تشريع قانون الاحزاب والذي هو حدث سياسي مهم على صعيد الدولة القانونية في الدول التي تطبق الديمقراطية ،وهو يحتاج الى الاختبار العملي في مواده القانونية على وفق الحاجة والغاية الذي شرع من اجلها للصمود أو الركوع أمام الامتحان الواقعي وليس مجرد نصوص مكتوبة تفرضه احتمالات غير واضحة.