مركز زاد للدراسات
«من الأفضل أن يكون للمواطن أفكاره وقناعاته عن الانتخابات حتى لو كانت تتمحور بحزب سياسي صغير افضل من كرهها ومقاطعتها بسبب حزب سياسي كبير .»
قبل إجراء الانتخابات هذا العام، ستكون هناك بلا شك مناقشات جديدة بشأن حقوق وواجبات الأحزاب السياسية وقواعد سلوكها. في هذه السلسلة نلقي نظرة على الطرق التي تتعامل بها الدول الأخرى مع الأحزاب السياسية في دساتيرها والقوانين الانتخابية وقوانين الأحزاب.
وسنركز على بلدان في أوروبا وأميركا اللاتينية، لأن تجربتهم التاريخية على بعض الجبهات مماثلة لتلك التي واجهها العراق: في الماضي القريب، بجانب الديمقراطيات الليبرالية «على غرار وستمنستر»، عرفت هذه القارات أيضا أنظمة الحزب الواحد التي تحظر غيرها أو التي تعمل في الحد بشدة من وصول الأحزاب الجديدة إلى التسجيل الرسمي والمشاركة في الانتخابات.
وفي كلتا القارتين أعقبت هذه الفترات الاستبدادية إضفاء الطابع الديمقراطي والتغييرات في قوانين الأحزاب للسماح ليس فقط بتدفق أحزاب جديدة ولكن أيضا للحركات الاجتماعية والنقابات والأفراد المستقلين البارزين للمشاركة في الانتخابات. ولا بد من اتباع قوانين حزبية جديدة بنحو حاسم، وفي بعض الأحيان كانت هناك حاجة إلى العشرات من المسودات أو الاحتجاجات الجماهيرية قبل أي شيء.
أحكام «حارس البوابة» من الانظمة او الخطط التي استعملتها تلك الدول في عمليتها الانتخابية , دعونا نضع في اعتبارنا أن لكل بلد تاريخا فريداً من نوعه. تواجه الأطراف في كل مكان تحديات فريدة من قبل الناخبين لسلطتهم على الانتخابات. ويمكن أن تكون القوانين متشابهة جدا لتنظيم سلوك الأطراف التي اثارت حفيظة من حولها وهي تطبق على أرض الواقع، في ذلك الواقع المتردد الذي تعمل فيه الأطراف. حيث إنه من المعروف ان من يعمل بروح الديمقراطية أو الكفاح ضد الفساد في بلد ما، قد يكون غير مرغوب فيه في بلد آخر.
الشروط المطلوبة
في كل مكان في أوروبا وأميركا اللاتينية، على الرغم من التحريروالديمقراطية ، هناك قوانين لتنظيم حياة الأحزاب السياسية «تتجاوز بكثير ما هو مقبول عادة للجمعيات والمنظمات الانسانية الخاصة في مجتمع ليبرالي». وقد أدخلت العديد من اللوائح أو تم تمديدها بنحو كبير في أعقاب إدخال التمويل الحكومي. ومن المؤكد أن تقديم الإعانات الحكومية يتطلب نظاما أكثر تقنينا لتسجيل الأحزاب والضوابط على دخل الأطراف ونفقاتها.
ولكن هناك أيضا مخاوف بشأن عدم وجود معايير ديمقراطية داخل الأحزاب الجديدة. إن عائلات المافيا أو الشركات التي تشكل أطرافا للحصول على مزايا ضريبية للأحزاب يجب منعها من الدخول إلى النظام السياسي. ومع الحركات الانفصالية التي امتدت لتشمل بعض البلدان المجاورة , اصبحت هناك دساتير جديدة طالبت من اطرافها وبكل صراحة احترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية، حقوق الإنسان و رفض استعمال العنف.
وأصبحت القارتان على هذا النحو مثالا جيداً في تجربة اللوائح الجديدة للأحزاب.
الى اي مدى يمكن للقارئ ان يستوعب هذا الكلام ان تذهب؟
هل ينبغي أن ينص القانون على كيفية تنظيم الأحزاب داخليا؟
هل يجب عليهم أن يختاروا الانتخابات التمهيدية لانتخاب المرشحين علنا؟
هل ينبغي أن يحظر القانون أن يكون للمرشحين وظيفتان سياسيتان مدفوعة الأجر أو جنسية مزدوجة أم أب أجنبي أو أم أجنبية؟
هل يجب أن يكون هناك حد للأموال التي تنفقها على الإعلانات التلفزيونية؟
هل يجب على الأطراف أن تضع لوائح توضح الجهات المسؤولة عن مصادر تمويلها ؟
تسجيل العقبات
وأيا كان البلد وتاريخه , تبقى استراتيجيات الأحزاب الحاكمة جادة في أضعاف الوافدين الجدد , والأحلام الجذرية للحركات الاجتماعية الحزبية التي تريد المشاركة في الانتخابات، فلا توجد دولة في العالم لا تطالب بتسجيل الأحزاب , كما انه في كل مكان، يجب على الحزب أن يسجل في الأقل ما هو اسمه (مع بعض الأسماء محظورة في بعض الأحيان)، ومن ذا الذي سيكون المرشح (س)، ودفع رسوم التسجيل الإداري الصغيرة التي في معظم الحالات لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات.
وخلال موجة التحول الديمقراطي العالمية التي بدأت بنهاية الثمانينيات، رفعت العديد من أشكال حظر الأحزاب. فقد اختفت أحزمة الأحزاب اليسارية والعرقية والدينية والإقليمية، وانهارت أحزاب الحزب الواحد والأحزاب المتعددة الأحزاب , أو قبلت الأحزاب الحاكمة على نحو صارخ أن تفقد احتكارها للانتخابات. ويبدو أن «انموذج الحماية» ضد الأحزاب الجديدة قد ذهب الى الابد.
ولكن العادات القديمة تموت بشدة (وبطبيعة الحال، في بعض الحالات كما في أوروبا الشرقية، للمساعدة في إرساء الديمقراطية، تم فرض حظر جديد على بعض الأيديولوجيات، والأحزاب القديمة أو البرامج، مثل ما حدث مع حزب البعث في العراق).
وكثيرا ما استغرق الأمر بعض الوقت اضافة الى دور الضغط الشعبي الكبير لضبط القواعد القانونية لوجود هذه الاحزاب , والتي تعد ارضية مرنة ومفضلة لشاغلي هذه الوظائف , لذلك بدا من الممكن تأجيل موجات المد التسونامية الكامنة في الأفق العام لظاهرة مد تشكيل الاحزاب الجديدة اضافة الى رفع تكاليف تشكيل الأحزاب. جعل المتاعب تبدو كبيرة للمقبلين على التشكيل الحزبي ودخول الانتخابات .
ومن الأمثلة الأخرى على المتطلبات الرامية إلى تعزيز المعايير الديمقراطية أو استبعاد الغرباء كان الالتزام بإثبات أن الحزب كان ديمقراطيا في تنظيمه الداخلي، على سبيل المثال من خلال انتخاب المرشحين في الجمعية العامة كان من احد شروطها الاساسية ان يكون الترشيح مفتوحا لغير الأعضاء أيضا.
كانت هذه الأيام.
وما كانت الأنظمة القديمة وما تفعله في الماضي من فرض قواعد حجرية تؤيد إمساكها بالسلطة، كانت نتائج عكسية بعكس ما كان متوقع ، لا سيما في أميركا اللاتينية. «النخب التي تبني قوتها فقط على القواعد الرسمية للعبة، ويخاطر بالسيطرة على اللعبة بأكملها بعيدا عن الشرعية السياسية للنظام الذي تسعى هذه القواعد إلى التمسك به».
المشكلة إذن ليست فقط أن الناخبين فهموا اخيرا ان من قام بتشريع هذه القواعد المصنوعة من البشر وغير الإلهية،ليسوا مستعدين بعد الآن للتأجيل إلى قرارات «السلطات». ويعتقد الناخبون الذين يتنافسون على النظام الحزبي أيضا أن القصور الذاتي والسلبية للنظام السياسي يؤدي إلى استمرار المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، أو استمرار التدخل الخبيث من قبل القوى الأجنبية والمؤسسات والبنوك والشركات، أو الأسوأ من ذلك، أعلان نهاية مستقبلهم الخاص المنظور.
في الأرجنتين، أدى عدم وجود إصلاحات حقيقية إلى حركة احتجاج شعبية واسعة النطاق طويلة الأمد مع شعار «يجب عليهم جميعا الخروج».
عدد كبير جدا من الأطراف؟
بالطبع بعض الأدلة على الدعم الشعبي الذي كان متواجد هو عدم منطقية السؤال كيف يسجل الحزب وكيف يرشح للانتخابات , ولكن عندما كان لا بد من تحويل الأنظمة الاستبدادية إلى حكومات ديمقراطية وكان التسجيل سهلا جدا مع الحد الأدنى من القواعد والحد الأدنى من التكاليف، كانت النتيجة في كثير من الأحيان مجموعة كبيرة من الأحزاب الجديدة وندرة من البرامج السياسية الجذابة، الصلبة , كما ان العديد من الأحزاب التي نشأت هددت الحياة واستقرارها بل هددت كل قواعد الانظمة التي وضعت لتشكيل الاحزاب بالخطر والانهيار .
لذلك، لفترة من الوقت، اصبح من غير الممكن توجيه الفوضى التي حكمت والمعارضة من خلال عملية سطحية غير جذرية , خاصة ان اهداف الديمقراطية والمعارضة كانت تحمل الهدف نفسه وهو الاصلاح الداخلي .
في بعض الحالات التي ذكرها التاريخ، تم إنشاء جيش من الأحزاب الصغيرة من قبل النظام القديم – أو ما يسمى بحرس التنظيم , من أجل تشتيت المعارضة وإضاعة أصوات الملايين من المواطنين. وقد تكون الجزائر في نهاية الثمانينيات مثالا على ذلك، في حين أن الوضع المماثل في إيطاليا في التسعينيات كان في الواقع نتيجة ضياع اعداد كبيرة جدا من الرجال الذين انهاروا خلال الفوضى, بعد أن انتهى الاتحاد الإيطالي المكون من خمسة أحزاب. كلهم يحلمون بأن يصبحوا رئيسا من دون حزب خلفهم (في بعض الثقافات، تبدو هجرة العظمة سمة أبدية).
الأحزاب الصغيرة الأخرى في أوروبا وأميركا الجنوبية هي من نوع «الأطراف القابلة للتصرف والمرنة « التي تعزز شخصا واحدا لأنتخابات واحدة، مع شعارات جذابة ولكن من دون وجود برنامج اصلاحي منظم .
ودعا البوليفيون الأحزاب الصغيرة التي سجلت بعد نهاية الديكتاتورية باسم «احزاب سيارة الأجرة» لأن عقدها التأسيسي الوطني ونظامها الداخلي تم في سيارة أجرة.
وفي كثير من الأحيان ، يجب أن يكون من شروط التسجيل أن يكون للشخص المرشح لجان محلية في جميع أنحاء البلد، أو أن يكون له ممثلون أو مرشحون في كل دائرة انتخابية، في فترات انتقالية – من دون أي هدف آخر سوى كسر سلطة الزعماء المحليين.
وكان على الأحزاب الجديدة أو المرشحين الجدد للرئاسة أن تتفاوض معهم، وأن تعدهم ببعض المكافآت، ولكنها لا ترغب في ذلك، أو لم تتمكن من تقديم وعود ذات مصداقية.
وكان القضاء آنذاك صاحب تأثير على وسطاء السلطة المحليين التقليديين , الذين ينتظرون نتائج التدابير التي اتبعوها في تحويل البلد إلى منطقة انتخابية كبيرة واحدة، بالمشاركة مع القوائم الوطنية للانتخابات البرلمانية. وكانت النتيجة الحقيقية على الأرض في كثير من الأحيان أن المزيد من المقاعد في البرلمان كان من حصة الأفراد والأحزاب الصغيرة، كما كان هناك دعم أقل للحزب أو المرشح الرئاسي الذي كان يأمل في الاستفادة من القواعد الجديدة (على سبيل المثال الرئيس فوجيموري في بيرو).
متى يكون للبلد «أطراف كثيرة جدا»؟ المكسيك بعد نهاية حكم حزب واحد كان هناك 11 حزبا والتي اعتمدت على لوائح قانونية جديدة لوقف «التجزؤ»، كما ان البرازيل كان لديها من الاحزاب ما يقارب من 30 حزبا في الوقت نفسه ولكنه لم يفعل شيئا.
إن حجة خلق عواصف أكثر صرامة للأحزاب لتكون جزءا من الحكومة، هواجراء قديم تم في القرن المنصرم وخاصة في فرنسا، حيث قام عالم الاجتماع الشهير موريس دوفيرجر على اختراع فكرة وهي : إذا كانت الحكومة تتكون دائما من ائتلاف من الأحزاب، فإن الأحزاب الصغيرة في مجلس الوزراء، التي تعبر عن رغبات الأقليات المتطرفة في بعض الأحيان، تصبح قوية جدا، وخطر أن يصوت هؤلاء المتطرفون ضد مجلس حكومتهم حقيقيا جدا ( وهولندا، وإيطاليا، وإسرائيل هي حالات في هذا الصدد).
لاحظ موريس دوفيرجر سخرية الوضع الراهن في أن الحكومات الائتلافية غير المستقرة هي بطبيعة الحال مصدر مفيد لوسائل الإعلام، إذ ان هذه الوسائل تعرف دائما كيف ومتى ستنخفض واردات الحكومة، وتراقب المؤامرات التي تحاك ، وترصد الحوادث التي تخرج عن متناول اليد، مثل حوادث ثأر الوزراء ، والابتزاز السياسي، وجميع أنواع الأسرار من أروقة السلطة. ولكن مثل هذه «الحكومات غير الحديثة» لا تؤدي إلى حكومة فعالة ولا أخبار جيدة عن الاقتصاد في وسائل الإعلام.
وأعتقد أن حجته قد تكون صالحة في بعض الفترات ولكن ليس دائما: لا أحد يجعل «الاستقرار» أهم معيار عند حدوث ثورات أو إصلاحات عميقة. تغيير كبير وبذلك يكون الاستقرار مستحيلا. وعلينا أيضا ألا ننسى أن «إنقاذ الاستقرار» كان ذريعة للانقلابات والتدخلات الأجنبية، فضلا عن حظر الأحزاب السياسية.
ومع ذلك، توجد دول ديمقراطية لها عواصف انتخابية وحزبية صعبة للغاية، مثل ألمانيا. والطرق التي يمكن بها جعل النخبة العليا من الطبقة السياسية والغنية هي في معظمها الأحزاب نفسها التي تحصل على نسبة عالية من الأصوات، كما يمكنها من أن تحصل على مقاعد في البرلمان؛
في ألمانيا يحتاج الحزب بما لا يقل عن 5٪ من الاصوات وإلا فإنه يمكن العودة إلى ديارهم. الطريقة الأخرى هي إدخال نظام المقاطعة، كما هو الحال في المملكة المتحدة، والذي يعمل أساسا على ان المرشح الذي يحصل على معظم الأصوات في دائرة انتخابية، يذهب إلى البرلمان، بوصفه نائبا للحزب الأكبر الذي سيحكم أو النائب عن المعارضة.
وعادة ما يكون علماء السياسة ليسوا أصدقاء كبيرين للأحزاب السياسية، ويشتبهون دائما في عدم رغبة الأحزاب في مشاركتهم السلطة غير أن أبحاثهم تبين أن الأحكام القانونية للتسجيل وغيرها من قوانين «البوابة» للأحزاب الجديدة غالبا ما تكون أكثر فعالية في قرننا الحالي , مع الجهود المبذولة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والتي تتيح اكثر تحكما في الوصول إلى النظام السياسي. وتظهر أمثلة مثل بلغاريا وإستونيا أن اللوائح الحزبية الصعبة يمكن أن تتعايش مع نسبة عالية من «بيرمابيبليتي» للنظم الحزبية.