بقلم: آنا زاير
إذا كانت الأحزاب السياسية تهتم بما يعتقده الناخبون حقاً، اذن عليها في الوقت الحاضر أن تكون قلقة جداً من مصيرها في المستقبل وهذا الحال ينطبق تماما على جميع الاحزاب في أنحاء العالم وليس على منطقة واحدة بالتحديد ، كون الناخبون لا يحبون نوعية الأحزاب التي تحكمها على الاطلاق ، وغالبا ما يكرهون أحزاب المعارضة أيضا. ويعد هذا الاتجاه عالمياً، مع بعض الاستثناءات في البلدان التي ظهرت فيها أحزاب جديدة في الآونة الأخيرة – مع وجود الأطراف التي تتحكم على نحو أفضل، وبالتالي تحترم في الأقل من يعارضها (بالطبع ليس من قبل الجميع، ولكن هذا ينطبق على كل طرف من الاطراف . (
إذن، ما الذي يمكن أن يكون عليه مستقبل الأحزاب السياسية وسط هذا السخط في جميع أنحاء العالم؟
هناك بعض الافكار في العالم الحديث ،التي اثبتت ان أصحاب الأحزاب يولدون، ويعيشون، ويتقدمون، ويموتون، وفي النهاية يتم استبدالهم من قبل الآخرين.بمنتهى السهولة واليسر ومن المؤكد أن هذه الدورة ستستمر لعقود مقبلة – ولكن سيكون هناك أيضا الكثير من الجهود لمنع الأحزاب الجديدة من أن تولد أو تكتسب قوة حقيقية من دون ان ترتكب العديد من الحيل والجرائم الممكنة.
بطبيعة الحال، يمكن للثقافات والحضارات بأكملها ان تموت في يوم ما هي ومن اخترعها وبناها , ولكن أنا لا أرى هذا يحدث في الوقت الراهن (على الرغم من أن الحياة على كوكبنا الرائع في خطر والأرض ليس لديها مخرج طوارئ).
تجديد الطريقة الإيطالية
واسمحوا لي أن أعطي مثالا على هذه الدورة التي كنت شاهدا فيها كمراسل أجنبي: في البداية كانت الأحزاب في إيطاليا. وبالتحديد بعد الحرب العالمية التي انتهت في عام 1945تهيمن بسيطرتها وأحكامها على الحكومات الإيطالية من قبل المسيحيين الديمقراطيين. للحصول على الأغلبية في البرلمان، وكان عليهم أن يضيفوا المزيد والمزيد من الأحزاب الأخرى، من الاشتراكيين والجمهوريين والليبراليين، وحتى الديمقراطيين الراديكاليين. وفي النهاية، نشأ نظام خماسي يدعى «بنتابارتيتو» الذي يبدو أن له حياة أبدية – حتى تم محو كل هذه الأحزاب من الوجود في انتخابات النصف الأول من التسعينيات. وكان ذلك نتيجة موجات الصدمة التي أرسلت من خلال المجتمع خلال سلسلة من فضائح الفساد واسعة النطاق والاشمئزاز المميت الذي أثاره السكان. كما هزم الحزب الشيوعي الإيطالي في هذه الانتخابات، على الرغم من أنه لم يكن أبدا جزءا من الحكومات الوطنية. لكنها شاركت أيضا في الفساد على الصعيدين المحلي والإقليمي وعوقبت مع بقية الطبقة السياسية.
وبحلول موعد انتخابات عام 1996 في إيطاليا، شكلت أحزاب جديدة تماما، مثل أوليفو (شجرة الزيتون) بقيادة رومانو برودي، و (القطب ) بقيادة سيلفيو برلوسكوني و ليجا نورد تحت قيادة أومبرتو بوسي. وكانت هذه الأحزاب «جديدة» وكانت جميعها تحالفات لتكتلات حزبية وحركات اجتماعية (بعضها موجود بالفعل منذ سنوات).لذا كانت بالكاد تضع شروطا على الأعضاء لإثبات أنهم يعتقدون في هذا أو ذاك؛ حيث كانوا جميعا من قادة سياسيين جدد، إلى جانب أقلية من السياسيين الإصلاحيين أو الانتهازيين من النخبة الحاكمة القديمة؛ وقد كانت لديهم أفكار قوية حول عدد من القضايا ولكن من دون أيديولوجية شاملة، وعلى الرغم من أن ليجا نورد و القطب يمكن أن يكون المسمى «يمين» و «مناهضة لليسار» و أوليفو كما «تقدمية» أو «ليبرالية» تحت اللغة –الا ان المشهد الكامل للحزب الجديد شكل وكان قادرا على حشد المزيد من العاطفة للسياسة والمشاركة السياسية من نظام الحزب القديم الذي كان متبعا عام 1980 حيث تطور أوليفو إلى الحزب الديمقراطي، وهو واحد من أكبر ثلاثة أحزاب في الوقت الحاضر في إيطاليا، حيث نقلت الافلام الايطالية ما كان يحدث في تلك الحقبة كفيلم موفيمينتو سينك ستيل (حركة خمس نجوم، M5S) بقيادة الممثل بيب غريللو.
إن سياسات حركة غريلو للحزب الديمقراطي كانت تتجه في اتجاهات اليمين واليسار وقد تبين ما هو صحيح بالنسبة إلى العديد من البلدان , كما أن «التسميات» اليمينية و «اليسار» هي أكتاف ضعيفة جدا بحيث لا تحمل وزن الواقع. (إن تاريخ إيطاليا كدولة تقدم أمثلة كثيرة على هذا الاستحالة، فذكرت قضية واحدة فقط، وألغت الأحزاب اليمينية، فضلا عن الأحزاب اليسارية، احتكار الدولة لبيع منتجات التبغ وأعادت تقديمه مرة ثانية للاسواق ).
رجل قوي
كثير من الناس يعتقدون أن هناك شيئاً خاطئاً ما بين علاقة الحكومات والاطراف السياسية او الحزبية ، كون الحكومات تعتقد ان على الاخيرة تقديم التنازلات تضامنا مع ما يقدمه الاخرون من المواطنين من تنازلات شتى ,وبالتالي تتهم تلك الاطراف بخلق المشكلات والشاحنات التي لا نهاية لها، اضافة الى اتهامها بكثرة الحديث مقارنة بعملها وتنفيذها للوعود .
للنقاد رأي حول هذا الموضوع حيث يعتقدون ان فئة الناخبين اغلبهم من الفئة اليائسة جدا من اصلاحات الحكومات لذلك هي تحتاج الى رجال اقوياء، وجنرالات سياسيين منفذين ، بدلا من الأحزاب. لذلك دائما ما توجه الاتهامات نحوهم على انهم ممتعظين ومتلكئين في خدمة المواطنين سواء من قبل الحكومات او من قبل المواطنين ، خاصة عندما تعد الطبقة السياسية ان الحكومات والدولة ليست سوى سوبر ماركت للخدمة الذاتية. ولكن يجب الاشارة الى امر مهم وهو ان هؤلاء النقاد لايودون أن يكون هناك رجل قوي أو نظام حزب واحد , والذي لا يحتاج إلى التشاور مع أي شخص آخر أو التفاوض معه – وبالتالي سوف يعمل على خدمة مصالح مجموعة واحدة فقط. خاصة ان القادة والرجال الأقوياء لديهم أصدقاء مشكوك فيهم دائما ، في حين أن الحكومات أحادية الحزب لديها داعمين اجانب دائما، كونهم محتاجين إلى أن يكونوا قادرين على تجاهل رغبات شعوبهم. ولا يعتقد النقاد أنه من الممكن أن يكون هناك حكومة تتألف من ملائكة سخيفة لا يطلبون بعض المكافآت عن عملهم. كما لا ينبغي أن ننسى أن العمل في حزب سياسي، غالبا ما يتطوع الناس للعمل ضمن اروقته مجانا لسنوات كجنود خدمة اوفياء لمبدأ الحزب الواحد .
ومع ذلك، لا ينبغي أن نقول «ليس هناك بديل»، بل حسب اعتقادي ان المشكلات التي يواجهها الناس في جميع أنحاء العالم مع الأطراف لها اسباب عديدة ويمكن القيام بشيء حيال ذلك.
عادات سيئة
دعونا نكون صريحين، خاصة اننا جميعا نعرف هذه الحقيقة: عندما تزداد الأحزاب وكبار السن في السلطة لفترة طويلة، بما في ذلك تلك الفترة التي خدموا فيها في اثناء المعارضة، تظهر للعيان عيوبهم وغالبا ما يميلون للاعتقاد بأنهم سيحتلون إلى الأبد مواقع السلطة. ولا يمكن للناخبين من الذكور والإناث في هذه الدولة أو تلك الدولة أن يحددوا بالتحديد اليوم أو السنة أو العقد الذي سيصبح حزبهه أقل استجابة لاحتياجات الشعب.ومن تلك العيوب التي يمكن ادراجها كالتالي :
• هناك حاجة ماسة من قبل الشعب للقوانين الجديدة والمشاريع والتدابير العملية لحل المشكلات أو التخفيف منها بسهولة، اما الاحزاب فلا يهمها سوى ما تحصل عليه من امتيازات خلال السنوات والعقود من عمرها في اروقة المؤسات والحكومات.
• دائما ما تتغیر بنود ومقترحات الدستور على مر الايام وخاصة القوانین الانتخابیة وتطوى في الأدراج المنسية للأثاث القديم .
• الكوارث التي يمكن تجنبها تماما والتي تدار من قبل وكالات المراقبة لها من قبل اعضاء الاحزاب – خاصة الكوارث الطبيعية من تحرك الطبقات الطينية وطغيانها على الناس في المناطق السهلية اضافة الى الفيضانات وانفجار المصانع في وسط المناطق السكنية والأوبئة وارتفاع البطالة والأزمات المالية والموارد المائية المسممة , دائما ما تؤخذ بعدم الاهتمام من قبل تلك الوكالات ، حيث يبدو أن وكالات المراقبة، التي يديرها عادة أعضاء الحزب، قد غضت النظر عنها أو تجاهلتها تماما خاصة فيما يتعلق بالوقاية منها باستعمال احدث الوسائل العلمية , على سبيل المثال ما يحدث في ايطاليا مؤخرا .
• في الوقت الذي تزداد فيه الأعمار ، تبدأ اعضاء الاحزاب في الاعتماد أكثر فأكثر على الدعم المالي للدولة، وليس على مساهمات أعضائها. وفي ألمانيا، يقال إن جميع الأطراف معا تتلقى نحو 900 مليون دولار من الدولة كل عام لعملهم الجيد – ولكن هل اسهم فيه اعضاء الحزب ؟
• تنشئ الأحزاب القدیمة مقلدة بشكل أعمى لمن سبقها , قاسية جالدة .
وفي الوقت الحالي، تولد الأحزاب (مثل حزب جيرت فيلدرز في هولندا) الذي لا يريد نظاما داخليا مع أعضاء سيكون لهم أيضا صوت في قرارات الحزب السياسية. ويمكنهم أن يكونوا «غير أعضاء» لأنهم يستطيعون استعمال نظام الدعم المالي الذي وضعه زملاؤهم الأكبر سنا.
• غالبا ما يأتي الدعم المالي من خلال الرواتب الفاحشة المدفوعة لمسؤولي الأحزاب في الوظائف الحكومية. ويتكون مجلس النواب النيجيري من 360 مقعدا، ويحصل كل عضو من النواب على راتب قدره نحو عشرة آلاف دولار في نهاية كل شهر، أي 3،6 مليون دولار شهريا لهؤلاء الأشخاص وأحزابهم. ومما لا يثير الدهشة أن العديد من الأحزاب لديها لائحة داخلية في مكانها تلزم الأعضاء في الوظائف الحكومية بإعطاء 20 إلى 50 في المئة لحزبهم …
• عندما يبدأ الطرفان في نسيان الناس الذين جلبوهم إلى السلطة ولا يحتاجون إلى أعضائها بعد الآن لتمويلها، فمن المنطقي ولا مفر من أن تنخفض أعداد أعضائها.وبالتالي يتم البحث عن اعضاء جدد يكونون على درجة عالية من الموالاة , ولكن غالبا ما يتهم الأشخاص والناشطون «بفقدان الاهتمام بالسياسة» ويصبحون «مارة غير مبالين»، في حين أن قادتهم هم الذين فقدوا الاهتمام بعملهم المقدس.
• تستمر العضوية للحزب الواحد بالتهاوي والسقوط بين الاعضاء لأن زعماء الأحزاب – كبارا وصغارا – يبدأون في خنق المعارضة في صفوفهم. وتنشب الأزمات الداخلية، حيث يقوم أعضاء الحزب بتمزيق بطاقات العضوية في الأماكن العامة. وغالبا ما تكون تلك المعارضة من التيارات الداخلية التي يكون اعضاؤها على درجة عالية من المستوى الثقافي الحماسي باثارة الضجة في الاماكن العامة والمؤتمرات والندوات معلنين من دون شعور ان «نهاية الحزب أمر قريب».خاصة ان تلك الفئة من المثقفين دائما ما تطالب عبثا بإصلاح الحزب والعودة إلى القيم القديمة. ولا يمكن الانكار ان التغييرات تحدث ولكن معظمها كمستحضرات التجميل مؤقتة ، بعدها يبدأ الحزب بمواجهة خسائر انتخابية ضخمة.
• تصبح الأحزاب الأكبر سنا أكثر قمعية، والتي تصبح مرئية عندما تخرج المعارضة إلى الشوارع أو تتحدى الحكومة في المحاكم. كما تبدأ الاحتجاجات السلمية بالتحطم ، بما في ذلك احتجاج الأطفال وأهاليهم ؛ وتصبح الشرطة العدو بدلا من توفير الامن للمحتجين .خاصة ان القوانين التي تمكن المواطنين من المطالبة بالإنصاف بعد وقع المظالم عليها تكون قد ألغيت بل وأصبحت أحكام السجن أطول، والغرامات أعلى. وفي كثير من الأحيان المجالس البلدية، التي يجب أن تواجه الناخبين الغاضبين على عتباتهم، تبدأ في تجاهل اللوائح الوطنية، لرفض التعاون مع العاصمة.
• دائما ما تعاني النخبة الحاكمة للاحزاب من مرض الزهايمر السياسي, وحاجتهم للتذكير دائما وفقدان وحدة الموضوع خاصة ان النقاد اثاروا هذا الموضوع بطريقة مثيرة للسخرية , عندما ذكروها على شاشات التلفزة بان اعضاء الحزب الواحد لديهم القدرة على التحدث لمدة ثلاث ساعات من دون معرفتهم ما هو الموضوع اصلا ودون معالجة حيثياته .
• وللأسف، بعد جيل أو جيلين، يبدو أن السياسيين دائما يقاتلون اعداءهم ويدورون في الدائرة المغلقة نفسها. وما يزال السياسيون الأميركيون مشغولين في مكافحة حروب الثقافة في الستينيات بشأن قضايا تافهة كقضية الإجهاض؛كما ما يزال الليبراليون الهولنديون يتصرفون كما لو أن العاطلين عن العمل هم ببساطة كسولون ولم تحدث ثورة صناعية خامسة ولم يقوموا بتظاهرات ومسيرات واحتجاجات عمالية كبيرة كان شعارها معالجة الفقر والبطالة ؛ برلوسكوني عندما كان رئيسا للوزراء في ايطاليا كان ما يزال يخيف الناخبين من التهديد الشيوعي، بينما في الهند عمل الهندوس على إحياء الصراعات الدينية منذ قرون. لذلك فنحن نرى أن كبار السن من ساسة الاحزاب يتشاجرون في وسائل الإعلام باستمرار ، من دون أن يكون لديهم أجوبة عن ماهية التحديات المعاصرة ، أو حلول واعدة للمشكلات الحاضرة في السنوات الأربع القصيرة التي سيكونون فيها جزءا من السلطة التشريعية.
• كما يجب الاشارة الى ان اعضاء الاحزاب الحاكمة اغلبهم من كبار السن .
على سبيل المثال الاحزاب التي تحكم المانيا ثلثي أو أكثر من أعضائها تجاوزوا الستين عاما من العمر ، حتى في حزب اليسار (الشيوعيين السابقين).
وهذا يعني أن هذه الأحزاب لا تمثل جميع السكان بعد الآن وأن الناخبين الشباب يشعرون بلا مأوى سياسي لحل مشكلاتهم التي لا يفهمها ويستوعبها كبار السن , كما يفسر لماذا غالبا ما يشار إلى قادة هذه الأحزاب باسم «الديناصورات» ولماذا يهرب الجيل الشاب إلى شبكات الانترنيت المتشددة والمنظمات غير الحكومية وجميع أنواع النوادي التطوعية.
الصراع الطبقي
كيف يمكن للأحزاب القديمة أن تكون غبية جدا، غير حساسة، هزيمة الذات، عمياء ؟ في مقالته «انجلترا انجلترا» (1941)، أدلى الكاتب جورج أورويل بيانا أصيلا عن الأرستقراطية البريطانية، تلك المجموعة التي شملت عددا من الدوقات، والأمراء التي هيمنت على جميع مفاصل الحكومة وعلى كل المستويات. فقدت فائدتها الاجتماعية والسياسية كونها تجاوزت البرجوازية الرأسمالية والطابع الديمقراطي، «كان هناك بوضوح طريقة واحدة فقط للهرب بالنسبة لهم: إلى الغباء. لم يتمكنوا إلا من الحفاظ على المجتمع في شكله الفعلي، لأنهم لم يتمكنوا من فهم أن التحسن كان ممكنا … ما الذي كان يجب أن نتوقعه من بقايا هذه النخبة، سوى الخيانة والغباء والتخريب كونها فاقدة للوعي، بعد أن أوحت لها غريزتها الشرهة للقيام بكل ذلك التخريب والتهاون .
علماء السياسة عادة لا يحبون أن ينظروا إلى السياسيين كأعضاء في فئة معينة او حزب معين ، ولكن إذا نظرتم إلى أعدادهم وامتيازاتهم، لن يكون هناك شيء خاطئ في رأيي بمعاملتهم كطبقة متميزة من الناس , وسواء كانوا منتخبين ديمقراطيا أم لا، فإن هؤلاء الناس الذين يعيشون ويعيشون في الأحزاب السياسية بأعداد هائلة، وعشرات الآلاف في العديد من البلدان الأوروبية، ومئات الآلاف في الولايات المتحدة. فيبقون المجموعة الوحيدة من الناس في المجتمع الذين يقررون أنفسهم بأنفسهم. وهم يقررون رواتبهم ومعاشاتهم وغيرها من المجاملات. ويقررون من يستطيع انتخابهم ومن لا. وهم يقررون كيف تلعب لعبة الانتخابات. وعادة ما يتمتعون بالحصانة من الملاحقة القضائية ما لم يقرر زملاؤهم إرسالهم إلى المحكمة (ولهذا السبب، سعى قادة مافيا الكوكايين الكولومبية إلى الانضمام إلى البرلمان). وغالبا ما تكون مواردها المالية وتمويلها سرية , فضلا عن محاضر اجتماعاتها.
ربما اختفى حكم الملوك والأسر المالكة من العالم الحديث ، و ليس من المألوف أن نجدها في الأحزاب الحديثة , كون القيادة يجب ان تعود لأسس ديمقراطية وانتخابات يحددها الجمهور , وليست وراثية كون الحكم الوراثي غير مؤات على الاطلاق لبنود تلك الاحزاب (على سبيل المثال «الفراعنة» من عائلة دالي في شيكاغو، عائلة لوبان في فرنسا، ولا ننسى حزب البعث العراقي). «النظام» الذي يعمل بالنسبة لتلك الفئات التي تم ذكرها يخضع لحكم العائلة الواحدة التي تبقى تتوارث الحكم , كونهم الطبقة العليا والمتميزة, لا يغلبهم فيها احد ولا يساويهم أحد من عموم الشعب .
حماية أو ترك
وما لم يصبح حلم الفوضويين حقيقة واقعة، ويتوقف الوجود عن الوجود، فإن الطبقات السياسية الوطنية لن تتوقف عن الوجود في أي وقت قريب. والواقع أننا ما زلنا في مرحلة تنص على وجود حدود ثابتة تحمينا من أشكال كثيرة من الفوضى القاتلة – ويبدو أن السياسيين فقط ينسون في كثير من الأحيان أن لهم خيارا واحدا فقط في الحياة: ألا وهو الحماية أو المغادرة. وكما تظهر الأحداث، تجبر الأحزاب الجديدة الحراس القدامى على الرحيل، ليس فقط في الدول الاستبدادية السابقة والدكتاتوريات ولكن أيضا في نظم الحزب الديمقراطي. إن الانتخابات الرئاسية الفرنسية لهذا العام ليست سوى مثال آخر على ذلك.
فقبل عقد من الزمن، كان للأحزاب السياسية وظائف معينة في المجتمع مثل تثقيف الناخبين وتدريب الأعضاء ليصبحوا سياسيين وتسمية المشكلات والمطالب الأجتماعية في برامج سياسية. ولكن هذه المهام تقوم بها الآن مؤسسات أخرى مثل وسائط الإعلام والمدارس والجامعات ومراكز الفكر واللجان المتخصصة التابعة للاتحاد الأوروبي وباحثون من البنك الدولي والمنظمات غير الحكومية والديانات القديمة والجديدة ومجموعة من الجهات الفاعلة الأخرى.
ولا تزال هناك وظيفة واحدة فقط في أيدي الأطراف: اختيار المرشحين الذين سيقفون في الانتخابات وتنظيم حملاتهم. فعندما لا تتمكن الأطراف التي تكبرت أو تكاسلت عن تقديم الناخبين خيارا حقيقيا بين المرشحين (بوصفهم مرشحين من الطبقة السياسية الحالية يشبه بعضها البعض)، فإن الناخبين – في الأقل سيقومون بتقديم مرشحين جدد وتنظيم أنفسهم في أحزاب جديدة ودعم القادة الجدد والنخب الجديدة والأفكار الجديدة والسياسات الجديدة. إنها عملية مبهجة ومرهقة في الوقت نفسه ، وأحيانا مخيفة، ولكن يجب معرفة ان السياسة ليست حلما طوباويا، بل هو عمل مهني صعب يضمن تحقيق احلام المستقبل لجميع فئات المجتمع.