إصلاح عملية السلام المعيبة في أفغانستان

نعمت الله بيزان
أوكسفورد

في فبراير/ شباط الماضي، عرض الرئيس الأفغاني محمد أشرف عبد الغني على حركة طالبان المشاركة في محادثات غير مشروطة للتفاوض بشأن عملية سياسية مقترحة قد تفضي إلى محادثات سلام بهدف إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 16 عاما. ولدعم هذه العملية، قامت الولايات المتحدة أيضا بإجراء محادثات مباشرة مع طالبان حسب طلبها. وقد أعلنت حركة طالبان منذ ذلك الحين عن حملة أخرى من العنف، مما أسفر عن مقتل مئات المدنيين، من بينهم عشرة مرشحين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وأنصارهم. كما رفضت طالبان إجراء أي محادثات مع الحكومة الأفغانية.
يرغب معظم الأفغان في إنهاء الصراع الذي طال أمده. لكن الإستراتيجية الحالية لتحقيق تسوية سياسية قد باءت بالفشل، لأنها تتجنب المؤسسات الأفغانية الرئيسية، وتستثني المواطنين الاعتياديين من العملية، وتدعم حملة العنف التي تشنها طالبان.
إذا ظلت هذه المشكلات من دون علاج، فإن محاولات إشراك طالبان قد تزيد الهشاشة السياسية لأفغانستان وبالتالي إضعاف الدولة. ينبغي على الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة أن تكونا عمليتين وأن تتبنيا منظوراً طويل الأجل في بحثهما عن تسوية سياسية، ولا تركزا فقط على الاهتمامات الفورية.
في الواقع، شجع النهج الحالي على ارتكاب المزيد من أعمال العنف. لم تُطالب الحكومة الأفغانية ولا الحكومة الأميركية بوقف هجمات طالبان كشرط لإشراكهم في المحادثات. ونتيجة لذلك، أصبحت كل جولة من المحادثات عبارة عن فرصة لطالبان لشن المزيد من حملات العنف في سعيها لتعزيز موقفها التفاوضي.
ويُشكل ظهور دولة موازية تحديا آخرا. ساهمت الحكومة الأفغانية في بناء دولة أخرى من خلال منح قادة طالبان امتيازا دبلوماسيا. وبعيداً عن مساعدة حركة طالبان على تعزيز السلام في أفغانستان، مكَّن الوضع الدبلوماسي قادتها من التفاعل مع الجهات الأجنبية لتعزيز قضيتهم وبناء شرعية دولية، لاسيما من خلال مكتب المجموعة في قطر.
تعمل هذه الدولة الموازية على جني الأموال من خلال تجارة المخدرات والابتزاز، وقد حصلت على اعتراف رسمي من البلدان القريبة والبعيدة. ورغم معارضته بشدة لإنشاء قطاع عام موازٍ لتقديم المعونات خلال مدة توليه منصب وزير المالية في المدة ما بين 2002 و 2004، لا يُعير غاني أي اهتمام للتهديد الذي تمثله الدولة الموازية لطالبان في أفغانستان.
على الرغم من ذلك، تم تحقيق نتائج إيجابية. في عام 2002، لم يكن لأحد أن يتخيل مدى تحول البلد منذ ذلك الحين. فقد ظهر جيل جديد مثقف، وزادت مشاركة المرأة في الحياة السياسية والاجتماعية بشكل ملحوظ. لقد كان صمود المواطنين الأفغان العاديين في مواجهة الإرهاب على الصعيدين المحلي والوطني غير عادي.
وقد تبين ذلك من خلال حملة طالبان المتعمدة من العنف والترهيب تهدف إلى عرقلة الانتخابات البرلمانية الأخيرة وحرمان المواطنين الأفغان من حقهم في المشاركة بحرية في العملية السياسية دون خوف. لكن في حين يعمل المجتمع الدولي بشكل عام، والولايات المتحدة بشكل خاص، على دعم التقدم في أفغانستان، لم تقم الحكومة الأفغانية باستخدام هذه المرونة الاستثنائية من خلال إشراك المواطنين أو إقامة عملية توافقية كجزء من إستراتيجيتها للتوصل إلى تسوية سياسية.
وعلى النقيض من ذلك، سمحت التسوية السياسية الأخيرة بين حكومة كولومبيا ومتمردي «القوات المسلحة الثورية لكولومبيا» للمواطنين الكولومبيين بالتعبير عن رأيهم من خلال استفتاء عام 2016. وفي حين لم يوافق مواطنو كولومبيا على الصفقة النهائية في المرة الأولى، إلا أن الحكومة سمحت بإشراكهم كجهة فاعلة رئيسة في هذه العملية.
لكن أفغانستان لم تصل بعد إلى هذه المرحلة المتقدمة. سوف يحتاج أي إطار لتسوية سياسية مشروعة إلى مشاركة المواطنين الأفغان العاديين، وليس هناك في الوقت الحالي أي دليل على مشاركتهم. إن المشاورات السياسية مع السياسيين الأقوياء في كابول ليست بديلاً للاعتراف بالمصالح والاهتمامات المشروعة للمواطنين العاديين الذين عانوا بشكل كبير من العنف لعقود طويلة. ويتجلى هذا النقص في المجلس الاستشاري الأعلى للسلام الذي أنشأته الحكومة الأفغانية حديثًا، والذي لا يضم ممثلين عن الشباب أو المجتمع المدني ولديه ولاية تتداخل مع مجلس السلام الأعلى الحالي.
يمكن تحقيق هدف السلام في أفغانستان. لكن يتعين على الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة أن تكونا واقعيتين بشأن العملية والنتيجة. تتطلب التسوية السياسية للنزاع الذي طال أمده دراسة متطورة ومتوازنة لمصالح واهتمامات جميع الجهات الفاعلة ذات الصلة. يحتاج المواطنون العاديون إلى الاعتراف وتقبل النتيجة، الأمر الذي يتطلب أن تخفض التسوية أعمال العنف، وقبل كل شيء، تُمكن الدولة من الحفاظ على النظام المدني.
إن اختيار النفعية السياسية في خدمة التوقعات غير الواقعية سيضع مستقبل أفغانستان في خطر أكبر. ولتحقيق النجاح، يجب متابعة الجهود الرامية إلى التوصل إلى تسوية مع طالبان إلى جانب مبادرات بناء المؤسسات الطويلة الأجل وسياسات التنمية بطرق توحد المواطنين وتعزز الدولة والمؤسسات الرئيسية التي يعتمد عليها الاستقرار في المستقبل.
نعمت الله بيزان: باحث بارز في برنامج الحوكمة الاقتصادية العالمية بجامعة أكسفورد، وزميل زائر في مركز سياسات التنمية في جامعة أستراليا الوطنية.

بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة