أكثرهم.. وليس كلهم

يحاول «نواب الشعب!» ان يُظهروا انفسهم ضحايا للحكومة لأن رئيسها حيدر العبادي اعترض على قانون يقضي بزيادة مرتباتهم الشهرية، وفي حوارية على احدى الشاشات الملونة قدم احد هؤلاء النواب مظلومية الضحية وتولى سياسي نافذ دور ارثر ميلر الذي كتب مسرحية «كلهم اولادي» تأسياً على ضحايا الحرب، فيما نحن الضحايا وهم (اكثريتهم، وليس كلهم) جلادون، وقد فشل السياسي، وقبله النائب، في ان يغشنا ببضاعته البائتة.
اما الموسيقار اليوناني تيودوراكيس فقد قال عنهم يوماً: انهم يغنون من على كومة الخراب.. «فقد خربوا ثقافة وضمائر وحياة الناس، واحتالوا على فطنتهم» ونخص منهم (لدينا) اولئك الذين تفننوا في تحويل مناصبهم الى تكيات ومفاتيح خزائن، وافتضحوا، ثم يلوحون بالعودة الى الترشيح من جديد الى السباق الانتخابي، بعد ان تربعوا سنوات اربع على اقدار وانفاس الملايين، وكانت كل امجادهم تجاذبات لسانية في اروقة مجلس النواب ونسوا الوعود التي قطعوها للناخبين عشية آخر انتخابات، فكان «عرقوب» مجنيّ عليه بالمقارنة معهم، إذ أهانوا الدموع التي سفحوها على المحتاجين، وغدت التماسيح ملائكة بالنسبة لهم.
بوجيز العبارة، الضجة التي اثارها غالبية النواب على اعتراض الحكومة كان ينبغي ان تكون على «مظلومية» الملايين التي صوتت لهم وهي تعاني الان من هول الحرب والنزوح والارهاب وشحة الماء الصافي وانقطاع الكهرباء، وتردي العناية الصحية والاستشفاء، وضيق السكن، والغلاء، والبطالة، واعمال النصب، والرشوة، والفساد والإفساد، والتهريب، والتجارة باصواتنا وآمالنا الطيبة.. انهم ليلزمهم الكثير من الجهود لاسترداد ثقة وكسب(ولا اقول اختطاف) اصوات الناس، بعد ان ضُمنت لهم حياة الرخاء، وتبخترتوا بالنعيم والقصور والوجاهات ولاذوا بالبنايات المحصنة والحمايات المتراصة وتركوا ابناء الاحياء الفقيرة طعماً للتفجيرات وانتقام البرابرة وفلول عصابات صدام وقطعان الدشاديش القصيرة والانتحاريات المحشوات بنشارة الخشب والحشيش واختطافات نصف الليل، ما يجعلهم مطلوبين للحساب والعدالة عن التفريط بالمسؤولية والانصراف عنها الى الملاسنات واخيراً الى معركة زيادة المرتبات.
الامر الاكمثر الحاحاً هو مراجعة عمل مجلس النواب ودور اعضائه طوال هذه السنوات العجاف، إذْ قضاها المواطنون في تشييّع طوابير الضحايا، والانتظار الطويل لمنّة البطاقة التموينية، وإذلال مكاتب تعيين العاطلين وزجر حراسها، وايضا، في الظلمات الدامسة، وعلى صفيح الخوف من المستقبل.
***********
جبران:
«البلبل لا يبني عشا في القفص حتى لا يورث العبودية لفراخه».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة