يشهد شارع المتنبي، هذه الأيام، ظاهرة تواجد عدد كبير من الشباب، وبأعمار مختلفة، يتجمعون في المباني التراثية التي تحيط الشارع وتجاوره، كبناية القشلة والأمكان التراثية القديمة، التي يتهاوى بعضها نتيجة قدمه، وكذلك بناية المركز الثقافي البغدادي المقابل لبناية القشلة، ويتواجد هولاء الشباب من اجل التقاط الصور، في أغلب الأحيان، ولا يهتم أغلبهم إلى القراءة والمطالعة والمشاركة في الفعاليات الثقافية التي تقام في الشارع.
كسر الروتين
نادراً ما تجد أحد الشباب المتواجدين في هذه الاماكن من دون كاميرة تصوير، أو كاميرة موبايل، يقول أحمد دوين، طالب في الجامعة المستنصرية، أنه «يستغل يوم الجمعة للمجيء الى شارع المتنبي، الذي اصبح بمنزلة تظاهرة شبابية تكسر القيود التي يفرضها الواقع المعيشي في العراق، ويضيف: من أجل كسر حاجز الروتين الذي نعيشه في حياتنا اليومية وعلى مدى اسبوع كامل، لابد من تخصيص يوم للتنفيس عن انفسنا والخروج من اجواء الدراسة والعمل، وأجد في شارع المتنبي متنفساً لي، وأفضّله، في كثير من الأحيان، عن بقية الأماكن الترفيهية التي ما عادت كالسابق، فالمناظر والبنايات الآثارية تغرينا لأن نأتي الى هنا، ونلتقط بعض الصور التذكارية.
«المتنبي» هل أصبح بديلاً؟
ويرى الشاب أنور حميد، إن «قلة الأماكن السياحية في بغداد، وعدم الاهتمام ببعضها، يدفع الشباب للمجيء الى شارع المتنبي والاماكن المحيطة به، فهو اصبح بديلاً لتلك الاماكن بنظري، وأنا أتواجد هنا كل يوم جمعة من الأسبوع، واعتدت على هذا الامر منذ شهور، ولا أكاد أن يمر يوم الجمعة من دون مجيئي الى هنا.
فيما تقول صبا حيدر، وهي ناشطة مدنية، ان مكاناً مثل مبنى القشلة» صار يستقطب اعداداً كبيرة من الشباب، لجماليته في لدرجة الأساس، ولإحاطته بمبان تراثية تستقطب عدسات هولاء الشباب الذين يدونوها في مواقع التواصل الاجتماعي، ويتواصلون من خلالها مع اصدقائهم.
التأثير على الشارع
ومن خلال تجوالنا في شارع الكتب، وبحثنا عن مزيد من الآراء التي يمكن لها أن تدعم هذا التقرير، توجها بالسؤال عن مدى التأثير السلبي لهذه الظاهرة على خصوصية شارع المتنبي، فأجابنا الشاعر والصحفي هلال كوتا بالقول: أعتقد أن هذه الظاهرة تفقد شارع المتنبي خصوصيته، فهو شارع لتداول الثقافة والمعرفة، وبيع الكتب، واقامة الندوات الشعرية والفعاليات الثقافية والفنية، وأرى أن هناك موجة كبيرة تجتاح هذا الشارع من قبل الشباب الذين يأتون من اجل التقاط الصور الشخصية فقط.. لا من اجل القراءة والمعرفة، ما يسبب زحاماً كبيراً وعرقلة لسير الفعاليات.
فيما اشتكى ضياء سامي، احد رواد شارع المتنبي، من هذه الظاهرة، محذراً من تأثيرها على خصوصية شارع المتنبي الثقافية، قائلاً: هذا الشارع ليس مكاناً للترفيه والتقاط الصور، هناك بعض الشباب اساؤوا الى هذا المكان، منهم من يأتي بلباس غير لائق، ومنهم من يأتي حتى بألبسة البيت أو العمل، وهذه المظاهر تسيء الى جوهر الثقافة.
مصورون شباب
ويرى بعض المصورين الشباب الذين يتواجدون في شارع المتنبي في اغلب الاحيان، ان جمالية الشارع تدفع الشباب الى المجيء اليه، وأن أغلب هولاء الشباب هم من هواة التصوير، الذين يعشقون توثيق المكان الجميل.
الفوتوغرافي الشاب مازن الحميد الحائز على جوائز متخصصة بالصور الشعبية والذي وجدناه يتجول في شارع المتنبي مع مجموعه مصورين شباب مع آلاتهم الفوتوغرافية، يخبرنا أنه يرى في شارع المتنبي الصورة المتكاملة للجو البغدادي الجميل وأنه يلتقي كل يوم جمعه أصدقاءه المصورين الذين تجمعهم طقوس خاصة في هذا الشارع تتمثل بجولة تصويرية في الشارع وأروقته والتقاط الصور كل منهم حسب ما يستهويه من اللقطات.
وتابع: أنا شخصياً أبحث في الوجوه عن صورة تتكلم إذ اختص بتصوير البورتريه وخصوصا وجوه الأطفال لأني أجد فيها البراءة ومعنى الحياة فضلا عن أن شارع المتنبي يوفر لك كل شيء إذ أجد ما أريد من وجوه أود تصويرها.. أجد وجوهاً خطت عليها السنين همومها ومتاعبها وأجد الوجوه المبتسمة للحياة بحيث أني في كل جولة في هذا الشارع أحصل على التعابير المختلفة التي ابحث عنها وهذه خاصية أجدها في هذا الشارع.
ظاهرة اعتيادية
فيما يرى البعض ان هذه الظاهرة لا تؤثر على الشارع وخصوصيته، اذ يقول زيد زياد، احد رواد الشارع: من حق الجميع، ومنهم الشباب، أن يأتوا الى شارع المتنبي فهو لا يقتصر على المثقفين والكتاب، ومثلما للشريحة المثقفة فعاليات تقيمها في الشارع، فإن للشباب ايضا فعالياتهم من خلال الجلسات الموسيقية والفعاليات الفوتوغرافية.