رائحة الدم

عامر القيسي

تفجير عشر سيارات مفخخة الثلاثاء في العاصمة بغداد وحدها، ثم محاولة إقتحام محكمة الكرادة ببغداد أيضاً بسيارة مفخخة وإنتحاريين إثنين، وضاع عدد الشهداء والجرحى بين النقل الإعلامي والتصريحات الرسمية ..

والثلاثاء الماضي لم يكن الوحيد الذي يضرب بغداد بهذا العدد من السيارات المفخخة، فلدينا الجمعة السوداء والسبت الدامي والأحد الأسود وإثنين الجريمة وثلاثاء الموت وأربعاء الإنهيار وخميس الراحة .. يعنى حجزنا كل أيام الأسبوع للحدث الإرهابي المتمدد والمنتشر والطويل الذراع والقادر على ان يضرب تحت الحزام وفوق الحزام وفي الوقت الزمني الذي يريد وفي التوقيت السياسي الذي يتطابق مع أهدافه ..

ماذا يعني هذا ؟

عندما تكون فرصة المبادرة والمبادأة والمفاجأة بيد عدوّك فيما تكتفي أنت بلملمة الجراح وشتم الروس واليابانيين ودول الجوار والمؤامرة الكبيرة، لتقنع نفسك أنك أمام عدو متغول، لتخفف في الأقل من هول الصدمات، فان هذا يؤشرعلى عجز وخلل في الإستراتيجية الأمنية في البلاد بما في ذلك شقها السياسي ..!

هذه هي الحقيقة لكي لا نضحك على أنفسنا أكثر مما نفعله الآن ..

السيارات التي تضرب بغداد إما أن تكون قادمة من خارج العاصمة وهذا دليل على فشل أجهزة الرصد والتقصي والإختراق والسيطرات من منع عشر سيارات من دخول العاصمة وحصد أرواح الأبرياء .. وان كانت من صناعة داخل بغداد فالمصيبة أكبر، عندما يكون بالإمكان تفخيخ وتفجير هذا العدد من السيارات في العاصمة التي تتواجد فيها الحكومة والقيادات العسكرية ومئات السيطرات وكاميرات المراقبة وتنظيمات الأحزاب المشاركة في العملية السياسية والمنطقة الخضراء ..!

هل نسمي الذي حصل الثلاثاء خرقاً أمنياً، كما يحلو للمسؤولين ان يجمّلوا الحدث الدامي الذي شممنا رائحة الدم فيه عن قرب ؟

علينا ان نبتعد عن التزويقات ونعترف بجرأة أن ما حصل يوم الثلاثاء، ويحصل على أقساط يومياً في بغداد وغيرها من المحافظات، هو إنهيار أمني مسيطر عليه، أي بقاء المؤسسة الأمنية على هيكليتها برغم عجزها عن منع عشر سيارات مفخخة ان تنفجر في العاصمة وبتوقيتات متزامنة وأهداف منتخبة كي تترك تأثيرها الإجتماعي والسياسي والأمني والنفسي .. وان نعترف أننا بنا حاجة ماسة الى قيادات تستطيع ان تضع إستراتيجات في مواجهة عدو من هذا الطراز .. إستراتيجيات تقوم على عناصر السياسة والإقتصاد والإستخبارات والمواطن والعلاقات الدولية ..

من الإجرام ان تذهب تضحيات القوات الأمنية هواء في شبك .. ما دام لدينا أناس قادرون على التضحية بأنفسهم فينبغي ان تكون هناك خطط بمستوى هذه التضحيات وقيادات بعقليات جديدة، فالأمن وعلمه ليس سيطرة في الشارع ولا شرطياً يتفاخر بمسدسه ولا السيطرة في منع التجوال .. والأمن أخيراً ليس حملات الإعتقال التي تخلق لنا مزيداً من الإرهابيين بدل القبض عليهم .. والأدلة على هذا لدى القيادات الأمنية ..

الأمن منظومة متكاملة وعلم يدرس كما الطب والهندسة، ولا ينجح أبداً إلا بإستراتيجيات سياسية تساعده على القيام بمهام مكافحة الإرهاب، وليس أقل هذه الإستراتيجيات هي مشروع حقيقي للمصالحة الوطنية، وليس للكسب الإعلامي والضحك على الذقون ..

هذه هي الحقيقة ومن دونها سنبقى نشم رائحة الدم قريباً منا !!

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة