عن الترشيق والهيئات المستقلة

إنتهى الحديث عن الترشيق بعدما بدا أنه مرفوض من أغلب الكتل.
الترشيق سيعني تقليص الوزارات. والذي يحصل على وزارات في حكومة منتفخة، سيحصل على نصفها في الحكومة المرشقة . يعني نصف المصالح والعوائد المادية المتأتية من هذه الوزارات، بما فيها العقود ذات «العوائد» الضخمة، الى تعيينات الاقارب والمحازبين. لست بهذا أسيئ الظن بهذه الكتل، إنما لعجزي عن العثور على سبب آخر يدعو هذا البعض الى رفض الترشيق والتهديد بعدم المشاركة في حال إقراره، خصوصا وان بين هؤلاء من يعدّ حصصه الوزارية ليست أكثر من فرصة للحصول على أكبر العوائد له أو لحزبه أو مكوّنه . أحد هؤلاء برّر رفض كتلته الترشيق بالقول «ان نظامنا محاصصي».
المحاصصة باتت قدراً متلازما مع «التنوع»، الذي بات نقمة وليس رحمة.
المطلوب الان ليس فقط تحاصص الوزارات ومواقع وكلاء الوزارات، بل امتدت المطالبات الى «الهيئات المستقلة» التي جاءت بالأساس كفكرة لإخراج القطاعات التي تهتم بها، من دائرة التحاصص السياسي لتبقى بعيدة عن التجاذب الذي يؤدي الى الاخلال بعملها. ولو كان التحاصص في الوزارات والمواقع السيادية أنتج طاقما كفوءً متماسكا يعمل لبناء دولة، لكانت المحاصصة مقبولة ، لكن التطبيق السيّئ جعل المحاصصة سبباً آخر لعرقلة البناء والانجاز.
لا أفهم لماذا يطالب مكون ما – عبر كتلته – بأن تكون مفوضية الانتخابات مثلا من حصته؟
هل يعني ان هذا المكوّن ينوي التلاعب بالانتخابات مستقبلا؟ وكذا الذي يطالب بهيئة النزاهة أو هيئة الاعلام والاتصالات أو ديوان الرقابة المالية؟
هذه الهيئات منصوص عليها في الدستور، وهي مؤسسات مهنية يجب ان تخرج من أي محاصصة.
لا يمكن لحزب أو جماعة أن تضعها ضمن ملكيتها . تركيبتها قائمة على التشريع والرقابة الداخلية من جانب مجالس المفوضين أو الامناء.
حتى الان كان هناك خلل في أدائها بسبب ضبابية وضعها وعدم تطبيق قوانينها الخاصة النافذة وكذلك عدم تعديل هذه القوانين بما يعالج مواطن الخلل التي يفرزها الاداء. علاقتها بالسلطتين التشريعية والتنفيذية ملتبسة بسبب المناكفات السياسية . الدستور ينص على انها مستقلة اداريا وماليا لتتمكن من أداء مهامها بعيدا عن القوانين والتعليمات المعرقلة للعمل، لكن ما حدث هو انها ربطت بالنظام الاداري والمالي الحكومي فاصابها ما يصيب مؤسسات الدولة من العوق.
الهيئات المستقلة ظاهرة حديثة تعتمدها كل الدول المتطورة، نحتاج الى دعمها وتطويرها بدلاً محاصرتها وتقاسمها كالغنائم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة