يهدف هذا المصنف إلى تقديم مجموعة من المفاهيم الابستمولوجية باعتبارها أدوات وظيفية تكون قابلة للاستنبات في تربة الثقافة العربية المعاصرة، لما لها من أهمية إجرائية في تحليل بعض القضايا المتعلقة بهذه الثقافة وتجديد آلياتها المعرفية والمنهجية.
نحن في حاجة إلى مكتسبات المعرفة العلمية الحديثة من أجل تحديث العقل العربي، وليس هناك من سيقوم بهذه العملية غير الفاعلين ضمن هذه الثقافة والمشتغلين في مجالات الفكر والنقد. من جهة أخرى، فالدرس الأكاديمي العربي اليوم في حاجة كذلك إلى تحديث آليات اشتغاله عبر إدماج المفاهيم الابستمولوجية في البرامج التكوينية والبحث العلمي، لأن غياب التفكير النقدي جعل المؤسسات الجامعية عند العرب تعمل على تخريج أطر «علمية» تفكر بطريقة تقليدية لا فرق بينها وبين من يتخرج من كليات الشريعة وأصول الدين.
لذلك، فإن الغرض من هذا الكتاب هو تناول بعض الإشكالات المرتبطة بمفاهيم أساسية في تاريخ البحث الابستمولوجي. وهي مفاهيم تشير إلى التحولات الكبرى التي عرفها تاريخ العلم، والتي اتسمت بالثورة والتجديد، الثورة على القديم واستئناف النظر في الأفكار التي يرى العلماء أنها لا زالت تصلح لفهم وتفسير بعض الظواهر العلمية. هذه إذن مفاهيم في القطيعة والثورة العلمية التي عرفها الفكر الإنساني عموما والفكر العلمي بصفة خاصة في مطلع العصور الحديثة. «الثورة العلمية»، كما يقول الدكتور بناصر البعزاتي، في دراسات القيمة «كيف حصلت الثورة العلمية»، هي تلك الحركة الشمولية التي ظهرت في القرنين السادس عشر والسابع عشر، والتي مست «كل مرافق الحياة العلمية والاجتماعية والعقدية والمؤسسية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر
«القطيعة الابستمولوجية.. رحلة مفهوم بين العلم والثقافة» لمحمد مستقيم
التعليقات مغلقة