وللسخاء جاذبيتُه القويّة

-1-
لست ترى كريما من الكرماء الا وقد تعلقت به قلوب الناس وجرى ذِكْرُهُ الطيّب على ألسنتهم يلهجون به ويثنون عليه ..
-2-
وكان الشعراء خاصةً يمطرون الاجواء بقصائدهم، وكانت تلك القصائد تُحفظ ويتداولها الناس، فتبني للممدوح صروحاً من الاكبار والتقدير وعلو الشأن في الوجدان وفيالواقع الاجتماعي .
-3-
وابراهيم ابن هَرْمة : شاعر شهير مُحِبٌّ لاهل البيت (عليهم السلام) ولكنه كان يخفي ذلك خوفاً من الأنظمة الحاكمة المعادية لهم ..
اسمعه يقول :
ومهما ألامُ على حُبِّهِم
فاني أحبُ بني فاطمه
بني بنت من جاء بالمحكمات
والدين والسنة القائمه
وحين سئل عن قائلها :
شتم قائلها ، فقال له ابنه :
يا أبتِ ألست قائلها ؟
قال بلى
قال :
فَلِمَ شتمت نفسَكَ
قال ما مؤداه :
اشتم نفسي خير من ان يأخذني ابن قحطبة ..!
وابن قحطبة احد رجال المنصور العباسي ومات في خلافة المهدي سنة 159 هجرية
-4-
وكان لابن هَرْمة مدائح جمّة في الحَكَم بن المطلّب ، حتى قيل :
( أطنب في مدحه)
ومن عادة المشاغبين السعي لتأزيم العلاقات والصلات بين الأحباب المتصافين ، وهكذا كان حالهم مع ابن هرمة
قالوا له :
” انك لتكثر ذِكْرَ رجل لو طرقته الساعة في شاة يقال لها (غرّاء) تسألُهُ إياها لردك عنها “
انها إثارة منكرة تستبطن التحريض على الممدوح بزعم تقديمه (الشاة) على الشاعر ..!!
” فقال :
أهو يفعل هذا ؟
قالوا :
اي والله
وكانوا قد عرفوا أنَّ الحكم بها معجب
وكانت في داره سبعون شاةً تُحلب ”
أرأيت كيف تكون اليمين الكاذبة
انهم أقسموا على أنّ الحكم بن المطلب سيرد ابن هرمه اذا ما طلب منه اعطاءه الشأة المسماة بـ (غراّء) ..!!
وبالفعل كان تلك الاثارة دافعةً (لابن هرْمه) نحو باب الحكم بن المطلب ، ليقف على الحقيقة
” فخرج وفي رأسه ما فيه ، فدّق الباب ،
فخرج اليه غلامُه ، فقال له :
أعلم أبا مروان بمكاني
-وكان قد أمر الا يحجب ابراهيم بن هرمه عنه – فأعلمه به ،
فخرج اليه متشحا فقال :
أفي مثل هذه الساعة يأبا اسحاق !
فقال :
نعم
جعلت فداك ،
ولد لأخٍ لي مولود لم تدّر عليه أمّهُ ، فطلبوا له شاة حلوبةً فلم يجدوها، فذكروا له شاة عندك يقال لها (غرّاء) فسألني أن أسألكها “
وهنا افتعل ابن هرمة قصة ولادة ابن اخيه واحتياجه الى حليب الشاة..!!
قال الحكم بن المطلب :
” اتجيء في هذه الساعة ثم تنصرف بشاة واحد !
والله لا تبقى في هذه الدار شاةٌ الاّ انصرفتَ بها ،
سُقهن معه ياغلام فساقهن ،
فخرج بهن الى القوم ، فقالوا :
ويحك :
اي شيء صنعت !
فقص عليهم القصة “
هذه قصة واحدة من قصص الاسخياء
والمهم هو ان اريحيته السخيّ لا تعرف الخوف من البذل،والعطاء وتُعطي أضعاف ما تُسأَل، ومثل هذا الكرم يطوّق أعناق الرجال، ويشدهم الى أصحاب السخاء، ويعمّق حبهم في قلوبهم ، ويدفعهم للثناء والاشادة بمكارم أخلاقهم .
لقد أثبت (ابن هرْمه) لمن عاب عليه مدائحه في (الحكم بن المطلب) انه كان مصيباً، في اكتشافه للنبل العظيم الذي اتسم به ممدوحه ، وأنهم المهمزومون، الذين أرادوا الوقيعة بينه وبين ممدوحه فباؤوا بالفشل والخذلان
وهكذا هو الشرّ لا بد أنْ يصرع ويهزم وهيهات ان تنتصر الأباطيل والأكاذيب …
-5-
وطوبى للاسخياء الذين يشترون بأموالهم أحسن الثناء وأطيب الذكر .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة