التعليم أولا

يبدو واضحا ان قطاع التعليم في العراق كُتب عليه ان يستمر يعاني الكثير من الاشكالات والتحديات التي من شأنها ان تؤثر سلبا على مستقبل هذا القطاع الذي يعد احد اهم القطاعات ، اذ يمثل الاساس والمنطلق للبناء التنموي السليم ، فكلما كانت المقدمات والمنطلقات في التعليم ، صحيحة ، جاءت النتائج سليمة ، والعكس بالعكس طبعا ،
وإذ نتحدث عن التحديات فإننا ننطلق من المشهد الاخير الذي تابعناه خلال الايام الماضية والمتمثل بتلك الازمة الحادة التي نتجت عن وجود اخطاء فادحة في المناهج الدراسية للدراستين الابتدائية والمتوسطة ، وهي ليست مجرد اخطاء املائية او طباعية ، انما هي اخطاء علمية ومنهجية وبعضها فيه ايحاءات ليست سليمة ولا ينبغي ان يتم تضمينها في تلك المناهج ، لاسيما اننا نتحدث عن تربية الاطفال ومن ثم يأتي تعليمهم ، وفي المناهج ايضا بعض القضايا والمسائل التي تبدو انها اعلى بكثير من مدركات الاطفال وامكاناتهم العقلية واستيعابهم – وان كان البعض يرى غير ذلك فوجود مثل هذه المسائل الصعبة من شأنه ان يدفع التلميذ الى التفكير والفهم وبالتالي تتفتح مداركه العلمية في وقت مبكر .
قضية المناهج هذه تداعت كثيرا ، وأصبحت بين ليلة وصباحها ، قضية رأي عام ، دفعت وسائل اعلام ومنظمات مجتمع مدني الى تحريض الطلبة على التظاهر ومقاطعة الدوام ، للمطالبة بتغيير تلك المناهج وتصحيح ما حملته من اخطاء ، وهنا ، وفي الوقت الذي ندعو وزارة التربية الى ضرورة العمل على حل هذه المشكلة الخطيرة ، فإننا نقول ايضا ، انه ليس من المناسب ابدا ان نزج بأطفالنا في اتون قضايا اكبر من اعمارهم ، فكما اننا نستنكر على وزارة التربية طبعها المناهج الدراسية متضمنة بعض المسائل التي تبدو اعلى من ادراك التلميذ ، فكيف لنا ان نطلب من هؤلاء التلاميذ ان يتظاهروا ويقاطعوا الدوام ، غير مدركين خطورة مثل هذه الخطوة على مستقبل اطفالنا ؟؟،.. نعم بإمكان وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني وحتى نقابة المعلمين ، ان تشكل «لوبيات» ضغط على وزارة التربية ، مع وجود مجلس النواب الذي هو الآخر عليه ان يأخذ دوره في ملاحقة هذه القضية المهمة والخطيرة جدا … وهنا وفي حالة استجابت وزارة التربية – وعليها ان تستجيب سنكون امام تحد آخر ، يتمثل في عملية اعادة طبع المناهج ، مع وجود شح واضح في التخصيصات ، وهذه المشكلة رافقتنا خلال سنوات سابقة ، اذ كان الطلبة يعانون من مشكلة عدم توافر الكتب ، الامر الذي كان يضطر ذويهم الى البحث عنها في شارع المتنبي ، وهناك يجدونها متوفرة وبطبعات حديثة ، من دون ان يعلم احد كيف وصلت الى المكتبات !!.. المهم ان الوزارة ، ربما نجحت بنحو او بآخر في معالجة مشكلة عدم توفر المناهج ، وان كان في هذا التوفير مشكلة اخرى تتمثل بتجاوز المطابع المحلية والذهاب الى دول اخرى لطبع تلك المناهج ، وهذا الامر دفع اصحاب المطابع الاهلية الى المطالبة بإناطة مهمة الطبع لهم ، وهم قادرون على ذلك ..
وقطعا ان مشكلات التعليم لا تقتصر على طبع وطبيعة المناهج وما فيها من ضعف وركاكة ، بل هناك تحديات اخرى ، تكمن في وجود فجوة كبيرة في عديد المدارس في عموم البلاد ، الامر الذي ادى الى حدوث حالة اكتظاظ كبيرة ، فتجد في المدرسة الواحدة ثلاثة او حتى اربعة دوامات (مدارس) ، وتجد في الصف الواحد اعدادا من الطلبة تتجاوز المعايير المطلوبة ، ناهيك عن عدم مواكبة اساليب وطرائق التدريس ، فهي مازالت قديمة ، وان المعلمين والمدرسين يعانون من عدم زجهم في دورات علمية حديثة تمكنهم من اداء مهمة التعليم والتدريس بأسلوب علمي تكنولوجي متطور ، وفوق هذا وذاك ، اننا الى الان مازلنا نشاهد المدارس الطينية شاخصة ، وقبل ذاك وهذا ، وبسبب قلة الابنية المدرسة فان الكثير منها يقع في مسافات بعيدة عن سكن التلاميذ ، وهناك اكثر من ٣٠٪ من هؤلاء التلاميذ تركوا المدرسة ، لكونها بعيدة عن مناطق سكنهم ، لاسيما البنات منهم ، وقطعا ، ان حالة التردي هذه اسهمت في انعاش التعليم الاهلي وبأسعار ترهق كاهل الاسر ، فهي مضطرة الى قصده على حساب التعليم الحكومي .
خلاصة القول ، اننا ان اردنا السير على طريق سليم نحو تحقيق التنمية ، علينا ايلاء التعليم اهتماما استثنائيا ، والعمل على معالجة جميع المشكلات التي تواجه هذا القطاع سواء تلك التي اشرنا اليها ، وفي مقدمتها رصانة وعلمية وسلاسة المناهج ، والاهتمام بالمدارس والملاكات التعليمية ، ولعل زيادة التخصيصات المالية يعد احد اساليب المعالجة ، فمن خلال توفير التخصيصات يمكن بناء المزيد من المدارس وتحسين الواقع الحالي ، بعيدا عن التظاهرات والاعتصامات.
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة