يوسف عبود جويعد
بعد أن شهدت حركة الثقافة بشكل عام، والحركة الادبية الابداعية والنقدية بشكل خاص, حالة من الانتعاش والتنافس، وتحركت دور النشر، بطبع ونشر وتوزيع كميات كبيرة من إصداراتها، في مختلف مجالات الحياة الثقافية والادبية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لتدخل في رفوف المكتبة في البلد, وتوسعت دائرة اهتمام الناقد في متابعة ورصد وتحليل تلك الانجازات الابداعية الأدبية، التي لابد لها من إشراف نقدي، تكون مهمته عملية الفرز وإظهار النماذج المتقدمة، ومتابعة وتقويم المنجزات التي تحتاج الى توجيه، ومن هنا تبرز مهمة أخرى، وهي أن لا يقتصر مهام النقد في تحليل الاعمال الكبيرة وتقديمها للساحة الأدبية، كون هذه الحركة الابداعية تحتاج الى تناسل، والى ولادات جديدة تأخذ دورها، تضع لها موطأ قدم في عالم الابداع الادبي، والسردي منها، الرواية، القصة القصيرة، والقصيرة جداً، إذ أن مهام الناقد إذا إقتصرت على الاعمال الكبيرة والناضجة، وترك عملية التناسل الجديدة دون متابعة وفحص وتدقيق، سيخل ذلك في عملية تطور حركة الابداع الادبي، وسوف يحرم الاديب المبدع الجديد من حقه في المتابعة من الناحية النقدية، ومن هذا المنطلق وجدت من الضرورة أن اتابع حركة الانجازات الجديدة، وتقديمها لتأخذ دورها في المسيرة الابداعية الادبية , ويقدم لنا القاص عدنان القريشي، مجموعته القصصية القصيرة (أثر بعيد) وهي من بواكير اعماله الابداعية الأدبية، والتي تؤهله في دخول عالم السرد , إذ نجد فيها اللمسات الفنية الطرية، التي ترافق كل قاص وهو يقدم نتاجه الجديد , كما أنها لاتخلو من وهنات، ألا أنها حالة صحية كون هذه المعوقات وهذه الوهنات ستزول عند ممارسته للعملية السردية في مواصلة رحلته الموفقة، إذ لا اجد ضرورة لمرافقة هذا الإنجاز، قراءة نقدية، ومقدمة، كون أن النصوص السردية ترفض الدخيل وتكون اكثر وضوحاً ومتعة ومتابعة عندما تقدم دون أي مقدمات، كون المتلقي سيمر على تلك القراءة والمقدمة التي ستحدد خياله التأملي وتجعله يقع اسير سطوة تلك القراءة والمقدمة, وتحرمه من إتخاذ قرارت خاصة به بشأن النصوص تنبع من قناعته، لا من التأثيرات التي تتركها في ذهنه تلك القراءة، كما تخللت تلك المجموعة بعض الكلمات الخاطئة، قد تكون ناجمة من الطباعة، أو من عدم إتقانه للمفردات السردية، وكذلك نجد ضرورة إدخال التقنيات الحديثة في عملية التدوين، كونها تحتاج الى نضوج أكثر.
في القصة القصيرة (البيت القديم) نكون مع بطل النص، وهو يعود الى بيت جده ومرتع طفوله بعد غياب أكثر من عشرين سنة، وهو يتأمل كل جزء من البيت قبل أن يطرق مطرقة الباب القديمة التي طالما طرقها، ويكتشف بأن لا احد هنا من الذين يسأل عنهم , وأن العائلة التي تسكن البيت عائلة جديدة لايعرفها .
(حملقت بإسمي المحفور على بوابة المنزل، وفي لحظة تداعت أمامي سنوات الطفولة الجميلة التي إختفت والى الأبد) ً ص 13
أما القصة القصيرة (أثر بعيد) التي حملت المجموعة إسمها، فإنها تحيلنا الى تداعيات لشخصية الرئيسية للنص، وهو يقف على إطلال منزل قديم متهالك مر عليه حيناً من الدهر، بلغة سردية تنم عن هذا التأثر الناجم عن الأسى لزوال معالم الحياة في هذا لمنزل.
(في ذلك البيت رحل كل شيء الا من صمت واكوام حجارة وممر تنام فيه عربة أشبه بهيكل حيوان نافق وثمة سلم شيد من الطين يقود الى السطح الذي يشاهد من فوقه بقايا اكواخ , وفي البعيد يغلق السراب الافق .) ص 14
وفي القصة القصيرة (مشهد) يقدم لنا القاص مشهداً مؤلماً من حياة إنسان يعيش الفقر المدقع وهو تحت إمرة رجل غني , ويزداد الامر سوءاً عندما يطرده ويستغني عن عمله، لأنه لم يتمكن من إزالة بقعة عالقة في سيارته، فيعود الى حياة التشرد وعنانة الجوع .
في قصة (زفير ريح) نحس بنضوج فني , وقدرة القاص على نقل الحياة في الريف بشكل ينم على معرفة تامة بكل تلك التفاصيل التي يعيشها أبناء الارياف , إذ نكون مع موزع البريد عاصي كريم , وهو أحد ساكني الارياف , ويجيد أيضاً أضافة الى عمله صعود النخيل والعالية منها , وهناك نخلة عالية نتناطح السحاب لا احد يستطيع أن يتسلقها سواه، وفي ليلة عاصفة شديدة الرياح والبرودة عقد عاصي رهان مع صديقه حاتم بأنه يستطيع أن يتسلق هذه النخلة العالية رغم الريح العاصف , ور غم القدوم على مثل هذا العمل فيه خطورة شديدة .
(-اقول هل تستطيع رغم هذه العواصف ان تتسلق النخيل؟
مسك قدح الشاي واخذ يتلذذ بالرشفات التي كان يصدرها خلالها بصوت متميز.
– ماذا تقول!
– يقال إنك ماهر في تسلق النخل فهل تستطيع ذلك وسط العواصف والامطار. بصق فضلة الشاي وقال:
– أستطيع ذلك على رهان
– عض عاصي شفتيه وقال: –
– الذي يخسر يخرج عارياً يقطع البستان طولاً!) ص 36
الا أن الريح كانت عاتية عاصفة قوية تشبه لإعصار، فيسقط عاصي من فوق النخلة وينقل الى المشفى. بعدها ينقطع عاصي عن ممارسة هوايته هذه خوفاً. وتدور أحداث اخرة تتخلل هذه الحادثة، هذا النص مدعاة للاهتمام لما يحمل من مقومات فن صناعة القصة القصيرة.
كما ضمت هذه المجموعة نصوص لقصص قصيرة جداً، وهي تحمل مقومات صناعة النص القصصي القصير جداً، نأخذ منها القصة القصيرة جداً (الكرسي)
زمن مضى على ذلك الكرسي الذي جلست عليه أجمل امرأة في العالم، كان الكرسي يشعر بالدفء ولفح العطر الذي يتسلل الى مياماه.. كان يسمع همساً غنجاً تلك كانت اجمل ايامه قبل ان توصد الباب لآخر مرة ويخيم بعدها الظلام والصمت ,اذاً , لم يكن بمقدور الكرسي أن يصرخ أبداً لذا سرعان ما أستسلم ولاذ في نوع عميق أبدي.)ً 83
وبعد رحلتنا وطوافنا في فضاء المجموعة القصصية (أثر بعيد) للقاص عدنان القريشي، نكون قد وقفنا على معالم الجمال والقبح، والضعف والقوة فيها، وهي خطوة موفقة تؤهله للدخول في معترك فن صناعة القصة القصيرة، كونه يمتلك الإمكانية التي من شأنها أن تكلل مسيرته السردية بالنجاح.