التحديات الثقافية واسئلة الخطاب

يطرح مؤتمر القمة الثقافي الذي سيعقد في مدينة ميسان نهاية هذا العام، منظورا سسيوثقافيا حول التحديات الثقافية التي يواجهها المجتمع والمثقف، وحول علاقة هذه التحديات بالاشكاليات البنيوية ذات الطابع السياسي والاجتماعي، والتي تتطلب مقاربات علمية تبحث في طبيعة ماتوجهه من أخطار، وماتستدعيه من مواقف ومعالجات على المستوى الاكاديمي العلمي، أو على المستوى الاجتماعي الاجرائي، وهي قضايا تتطلب جهدا قوميا كبيرا، وعبر اليات واجراءات وتكييفات قانونية، لها علاقة بربط الحراك الثقافي مع التنمية، والتعليم في مراحله المتعددة بآفاق التحولات الاجتماعية الحادثة بالمجتمع، فضلا عن دراسة الخطاب الاعلامي والفني الدرامي والادبي بوصفها مجالات لصناعة الرأي العام والوجدان الشعبوي..
إن التعرّف على اهمية الخطاب الثقافي المعرفي هو مدخل لمقاربة التحديات الكبرى، ولاتخاذ الاجراءات المناسبة لمواجهة تعقيداتها، ولبيان العلاقة بين هذا الخطاب والتنمية المستدامة، بوصف هذه التنمية اجراء واقعيا يهدف الى معالجة الخلل البنيوي الكبير في الواقع، وفي عطالة المشروع السياسين وتأثير هذه العطالة على مجالات التنمية القومية كالتعليم والاعلام والفن والاجتماع والانثربولوجيا وغيرها..
إن التحديات الكبرى للثقافة العربية، تنطلق من جملة من عي تلك الأهمية، ومن معرفة الاخطار الغائرة في لاوعينا الاجتماعي، والتي تحولت الى مايشبه العصاب، حيث انعكس على توصيف الهوياتي لهذه الثقافة، أو على مشكلة تداولية وجودها داخل فاعلية الخطاب، ومشكلة الخطاب الثقافي في هذا السياق لا تنفصل عن مشكلة الهوية، ولا عن مشكلات الصراع التي تصنعها الجماعات، والطوائف، والملل، والتي تعمل على صناعة الخطاب(الهووي) الصياني بوصفه خطابا طهرانيا أو مُنقذا للأمة، وهذا مايسبغ علية قوة عُنفية دفاعية أو هجومية، أو أنه يصطنع له أحكاما شرعية ومؤسسات صيانية، وحتى أصولا تُشرعِنْ هذا العنف، وتمنحه كثيرا من القداسة..
الخطاب الثقافي العراقي ظلّ في الهامش من الخطاب السياسي، وحتى من الخطاب الدولتي، وهو ما جعله أكثر تعبيرا عن(هويات) قاتلة أو مقتولة كما يصفها أمين معلوف، أو أكثر انخراطا في لعبة التمثّلات الانثربولوجية ذات المرجعيات العصابية، إذ إنّ تاريخ الجماعات الطائفية في العراق هو تاريخٌ عنفي، وحتى (الدول) التي ظهرت في العراق كانت تقوم على أساس هيمنة الحاكمية الطائفية بوصفها اللاهوتي الشرعي والفقهي، أو بوصفها(الناسوتي) المرتبط ب(شرعية القوة) تلك التي فرضت خطابها عبر مؤسسة السلطة السياسية والسلطة الفقهية، وعملت طوال قرون طويلة على إخضاع الخطاب الثقافي الى فرضية تلك (الشرعة المؤسسية) بوصفها نظيرة للمقدّس، أو ل(التديّن الرسمي)
فرضية مفهوم التديّن الرسمي اوجدته الدولة المستبدة، كجزء من هيمنتها، ومن اجل ايجاد اطار شمولي للاحتواء والمراقبة، وكذلك للقمع، فما جرى للعراق منذ 1980 ولغاية 2003 يؤكد الطابع الشمولي التداولي للتوتاليتارية، على المستوى السياسي، وعلى مستوى فرض سياق عام للتدين الرسمي، وعلى مستوى دورها في صناعة الحروب والاستبداد، والعزل القومي والطائفي، فضلا عن فرض مهيمنة قوى لمايسمى ب(اعادة قراءة التاريخ) وعلى وفق المنطلقات العمومية التي ارادت فرضها السلطة، وفي اندفاعها نحو مركزة هذا التاريخ، والباسه هويات فقهية، وسياسية..
كلّ هذه المعطيات هي جوهر الوعي باسئلتنا الحديثة، وبأهمية أن تكون هذه الاسئلة هي المدخل الحقيقي والتواصلي مع الآخر من جانب، والعمل على امكانية دعم المشروع الوطني، في سياقه المدني الديمقراطي، وكذلك في سياقه الحقوقي الداعم لمشروع الدولة الجديدة، وهو ما يمثل عصب العمل في اوراق عمل المؤتمر وفي توجهاته الستراتيجية المستقبلية…

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة