أول العائدين منهم إلى الموصل القديمة:
الصباح الجديد ـ متابعة:
عاد اول مواطن مسيحي الى داره المهدمة جزئيا في الموصل القديمة، التي قال عنها انه لن يبيعها باي مبلغ كان، مبينا ان عودة المسيحيين ترتبط باعمار كنائسهم ومنازلهم، لافتا الى انه يعد نفسه جزءا من عائلة جاره المسلم الذين عاشوا معا قرابة 40 عاما.
وفي وسط زقاق ضيق مليء بالأبنية المهدمة المثقلة بالحجارة والاتربة، كحال الازقة الاخرى في المدينة القديمة في الموصل، يقف شامخاً باب خشبي مرسوم على جانبيه رمز “الصليب”، ليكشف للمارة انه احد منازل المسيحيين الذين اجبروا على ترك المدينة، أبان سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” عليها.
هذا الباب، عاد مجددا ليفتحه مجيدي حميد مجيد ذو الـ 42 عاماً، ويعلن بذلك عودة اول مسيحي الى الموصل القديمة.
ما ان فتحت البوابة الخشبية، حتى برزت على الجانب الايمن من جدار المنزل – المهدم جزئيا- صورة للسيدة مريم العذراء، تقابلها غرفة محترقة ودرج نصف مهدم، يليه غرفة تحولت الى متعددة الاستخدامات، من قبل مجيد، الذي يبت ويستقبل ضيوفه فيها، اضافة الى اتخاذها كحمام، بعد تهدم حمام المنزل الاساس.
ومع كل هذا الركام المتناثر في ارجاء ما تبقى من المنزل، يقول مجيد: “لو دفعوا لي الملايين فلن أبيع هذا المنزل. انه ذكرى من جدي، وفيه ذكريات أجدادي وأصولي المسيحية”.
ما ان حانت الفرصة حتى عاد الى قديمة الموصل والى “المنطقة ” كما يحب ان يطلق عليها , له اخ واحد يعيش في اربيل وثلاث اخوات احداهن في اربيل ايضا واخرى في دهوك والاخيرة مهاجرة في احدى الدول الاوروبية.
مجيد الذي لم يتزوج بعد، يعد نفسه جزءا من عائلة اكبر، تتمثل بجيرانه وأصدقائه في المدينة، ويصف لمراسل (كركوك ناو) علاقته بجاره المسلم ابي ابراهيم، الذي يشاركه المأكل والمشرب: ” صار 40 سنة اعرفهم. اشعر باني جزء من عائلتهم”.
أكثر من 30 ديرا وكنيسة دمرت في الموصل منذ دخول عناصر التنظيم في العام 2014، ولم يعمر منها سوى كنيسة واحدة في أيسر المدينة، وهنا يربط مجيد عودة المسيحيين بأعمار الكنائس قائلا: “الناس ممكن ترجع إذا تعمرت الكنائس”، ثم سكت لبرهة واتبعها قوله: “الناس في الخارج تشتاق للموصل وتريد العودة ولكن أين يعودون وبيوتهم مدمرة؟!”.
وبعد مرور أكثر من عام على استعادة المدينة ماتزال اغلب بيوت المنطقة القديمة مدمرة وسكانها لم تعد اليها الا القليل، ففي الموصل كان يسكن نحو (3) الاف عائلة مسيحية، وفق احصائيات منظمات مجتمع مدني مسيحية، اكدت انهم بدءوا بالتناقص حتى هجروا جميعهم في 19 تموز 2014 عندما خيرهم “داعش” بين الجزية والهجرة مما كان يصفها بـ”ارض المسلمين”.
وكانت تقارير صحفية قد تحدثت في الاسبوع الماضي عن عودة نحو 16 الف عائلة مسيحية الى مناطق سكناها بمحافظة نينوى من اصل اكثر من ربع مليون مسيحي، وفيما اشارت الى ان تجديد العقارات المسيحية يتطلب نحو 15 مليار دينار عراقي.
وكشفت تلك التقارير عن قيام “عناصر تنظيم داعش الإرهابي بتدمير الآلاف من منازل المسيحيين فى الموصل، وأكثر من 120 موقعا يتضمن كنائس أثرية في المحافظة التي اعتبرها المسيحيون العراقيون دوماً كأكثر المناطق الآمنة سابقاً”.
فضلا عن ان تخيير سكانها المسيحيين بين التحول عن ديانتهم، أو دفع ضريبة دينية، أو مغادرة الموصل، حيث اختارت الأغلبية الخيار الثالث، على الرغم من أنهم لم ينجوا من حكم داعش دون أن يصابوا بأذى.
وبحسب التقرير فان “إرهابيي داعش قاموا بخطف أكثر من 100 مسيحي في منطقة الحمدانية (30 كلم شمال شرق الموصل) عندما جاءوا إلى الموصل والمناطق المحيطة بها حيث نجا 20 منهم فقط، و 55 قتلوا، ومصير 25 آخرين غير معروف، وكان بعض المسيحيين الذين تم أسرهم من النساء”.
ووفقاً لأرقام غير رسمية ـ يكشف التقرير ـ كان هناك ما يقرب من 1.5 ملايين مسيحي في العراق في الثمانينيات، معظمهم يعيشون في بغداد والموصل ودهوك وأربيل وكركوك والبصرة.
ووفقاً لهذه الأرقام ، يوجد حالياً ما بين 250 الف الى 300 الف مسيحي في العراق، غالبيتهم يعيشون في إقليم كردستان، وتعد الموصل مدينة مهمة للمسيحيين حيث توجد العديد من المواقع الأثرية المسيحية، لكن داعش دمرت معظم تلك المعالم الأثرية.
ولذلك قرر نصف عدد النازحين المسيحيين في إقليم كردستان عدم العودة إلى الموصل، حيث وجدوا وظائف هنا وأرسلوا أطفالهم إلى مدارس كردستان.