تجنب الصدارة:
رغم أن تيار المحافظين الأصوليين سعى خلال الفترة الماضية إلى استغلال المشكلات التي تواجهها إيران على الساحتين الداخلية والخارجية من أجل تصعيد حدة الضغوط على حكومة الرئيس حسن روحاني وتيار المعتدلين بشكل عام، الذي نجح في تعزيز وجوده داخل مؤسسات النظام في الأعوام الأخيرة، إلا أن ذلك لا ينفي في الوقت نفسه أن هذا التيار لا يرغب في رفع مستوى تلك الضغوط بشكل قد يؤدي في النهاية إلى حدوث «فراغ» في السلطة التنفيذية أو انقسام شديد داخل مؤسسات النظام.
ومن دون شك، فإن ذلك يعود في الأساس إلى أن هذا الخيار قد يساهم في إضعاف قدرة النظام على التعامل مع الاستحقاقات الداخلية والإقليمية الأخيرة، ولا سيما الاحتجاجات المتواصلة بسبب المشكلات الاقتصادية ونقص الخدمات المعيشية الأساسية مثل المياه والكهرباء في بعض المناطق، إلى جانب اقتراب موعد تفعيل العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إيران في أغسطس ونوفمبر المقبلين.
دعم الرئيس:
كان لافتًا أن كثيرًا من أقطاب تيار المحافظين الأصوليين بدءوا في الدعوة إلى ضرورة الوقوف إلى جانب الرئيس حسن روحاني، من أجل دعم جهود الحكومة التي تستعد في الوقت الحالي للتداعيات التي سوف تنتجها العقوبات الأمريكية في الفترة القادمة. كما بدأت وسائل الإعلام الرئيسية، على غرار صحيفة «كيهان» (الدنيا)، في الترويج إلى أن إضعاف الحكومة أو المطالبة بالإطاحة بها سوف يوجه رسالة «خاطئة» للقوى المناوئة لإيران، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل تعويل الأخيرة على أن العقوبات الجديدة سوف تؤدي إلى إضعاف النظام وستدفعه، في مرحلة لاحقة، إلى القبول بإجراء مفاوضات للوصول إلى اتفاق جديد مع واشنطن بشروط تتوافق مع مصالحها وسياساتها.
ولذا، وصل الدعم الذي يحظى به الرئيس روحاني حاليًا إلى أعلى قمة السلطة في إيران، ممثلاً في المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي حرص خلال لقاءه مع وزير الخارجية محمد جواد ظريف وسفراء إيران في العالم وممثليها في المنظمات الدولية في 21 يوليو 2018، على تأكيد أن تصريحات الرئيس روحاني التي ألمح فيها إلى أنه في حالة عدم تمكن إيران من تصدير نفطها فإن المنطقة كلها لن تقوم بتصديره، في إشارة إلى احتمال إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز، تعبر عن نهج وسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
هذا الدعم يطرح دلالة مهمة، تتمثل في أن خامنئي سعى في الوقت الحالي إلى إنهاء الجدل الذي ساد داخل إيران وخارجها بعد إدلاء روحاني بهذه التصريحات خلال زيارته إلى سويسرا في بداية يوليو الجاري، خاصة بعد أن حرص بعض المسئولين على تأكيد أن تلك التصريحات «أُسئ فهمها»، في محاولة لتقليص حدة الانتقادات التي تعرضت لها إيران بعدها من قبل العديد من القوى الإقليمية والدولية المعنية بضمان حرية الملاحة في المنطقة.
إذ بدا أن المرشد يحاول إضفاء طابع رسمي أكثر قوة وصراحة على تلك التصريحات، باعتبارها تعكس السياسة العليا للنظام، الذي يرى أن هذه الآلية قد تساعده في تقليص حدة الضغوط التي سوف يتعرض لها خلال المرحلة القادمة، مع بداية تفعيل العقوبات الأمريكية في أغسطس ونوفمبر القادمين، وتحرك الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تنفيذ استراتيجيتها القائمة على إيصال الصادرات النفطية الإيرانية إلى المستوى صفر.
بدائل غائبة:
لكن ربما يكمن الهدف الأهم من الحرص على دعم الرئيس روحاني، في تجنب تيار المحافظين الأصوليين، ومن خلفه الحرس الثوري أيضًا، صدارة المشهد السياسي الإيراني، في تلك المرحلة الصعبة التي تمر بها إيران، والتي قد تهيئ المجال أمام تحولات لا تبدو هينة خلال الفترة القادمة.
وبمعنى آخر، فإن هذا الدعم يؤشر إلى أن النظام لا يمتلك خيارات بديلة للتعامل مع الضغوط والأزمات التي يواجهها، غير استمرار السياسة الحالية التي تنفذها الحكومة، على الساحتين الداخلية والخارجية.
فعلى الساحة الداخلية، تحاول الحكومة حل مشكلات نقص المياه العذبة والكهرباء التي ظهرت في بعض المدن والقرى وكانت سببًا في اندلاع احتجاجات عديدة خلال الفترة الأخيرة، بالتوازي مع جهودها المستمرة لضبط سعر صرف العملة الوطنية (التومان) الذي شهد انخفاضًا حادًا أمام الدولار بشكل ساهم في انضمام طبقة التجار (البازار) إلى الاحتجاجات.
وعلى الساحة الخارجية، تواصل الحكومة مساعيها لتعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي الذي تعرض لضربة قوية بسبب الانسحاب الأمريكي منه، سواء من خلال العمل على دفع الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية من شأنها تقليص تداعيات هذا الانسحاب، أو عبر محاولة إقناع الصين وروسيا بدعم موقف إيران خلال الفترة القادمة، التي سوف تشهد مزيدًا من التصعيد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
ومع أن كثيرًا من مؤسسات النظام وقوى تيار المحافظين أعربت عن استياءها من التحركات التي تقوم بها الحكومة، وأبدت شكوكها في نتائج التعويل على المواقف الأوروبية تجاه السياسة التي تتبناها الإدارة الأمريكية، إلا أنها كانت حريصة على عدم عرقلة تلك التحركات، التي اعتبرت أنها تأتي في سياق محاولات الحكومة ضمان استجابة الدول الأوروبية للشروط التي حددها المرشد من أجل الاستمرار في الالتزام ببنود الاتفاق النووي في الفترة القادمة.
هذا الموقف يعني أن اتجاهات عديدة داخل تيار المحافظين، ومؤسسات النظام، ترى أن تصعيد الضغوط على الرئيس روحاني، قد يؤدي إلى عواقب لا تبدو هينة في المرحلة الحالية التي يحتاج فيها النظام، في رؤيتها، إلى التماسك في مواجهة الضغوط الخارجية والأزمات الداخلية.
وبعبارة أخرى، فإن تلك الاتجاهات الأصولية اعتبرت أن دعوة الإطاحة بالحكومة أو إجبارها على الاستقالة، التي ظهرت على الساحة في الفترة الأخيرة، يمكن أن تفرض تداعيات سلبية خطيرة سوف تمتد إلى تيار المحافظين الأصوليين نفسه، باعتبار أن ذلك معناه أن الأخير سوف يكون مرشحًا لأن يكون هو البديل لإدارة الشئون التنفيذية للدولة في حالة حدوث فراغ في السلطة التنفيذية.
ومن دون شك، فإن هذا المسار قد يمثل ضربة قوية له، باعتبار أنه لا يملك حاليًا الاستراتيجية أو الخيارات التي قد تمكنه من التعامل بفعالية مع الأزمات الداخلية والضغوط الخارجية التي تواجهها إيران في الوقت الحالي.
ومن هنا برز الاتجاه الذي يحظى بتوافق أكبر داخل تيار المحافظين، ويدعو إلى ضرورة مواصلة دعم الرئيس روحاني ووضع حدود للضغوط التي يمكن فرضها عليه خلال المرحلة القادمة، إلى أن يستكمل فترته الرئاسية الحالية التي سوف تنتهي في عام 2021، حيث قد تتبلور ظروف جديدة ربما تتوافق مع رؤى وسياسات التيار خلال تلك الفترة وتعزز من احتمال عودته من جديد للسيطرة على السلطة التنفيذية.
وانطلاقًا من ذلك، تراجعت ضغوط التيار إلى المطالبة بإجراء تغيير في المجموعة الاقتصادية بالحكومة، بسبب فشلها، حسب رؤيته، في التعامل مع المشكلات الاقتصادية المتراكمة، وهو ما يبدو أن الحكومة تحاول استيعابه، من أجل تهدئة حدة التوتر على الساحة الداخلية والتركيز على مواجهة تداعيات السياسة الأمريكية.
خيارات محدودة وبدائل غائبة كلها تعني أن الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بدأت تنتج استحقاقات داخلية في إيران، على نحو سوف يمثل اختبارًا صعبًا للنظام الإيراني خلال المرحلة القادمة.
*مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية