الإشادة تتحول لانتقاد:
معاذ فرحان
على الرغم من انتقاد الكثيرين للسلطات ونظام الحكم في إقليم كردستان، إلا أنهم كانوا يعدون البيشمركة في جبهتهم وليس جبهة السلطة، أما الآن فتكاد هذه المعادلة تتغير.
لأول مرة في إقليم كردستان يتم استعمال عبارات مثل “كيلو تفاح للمواطن (750) دينار وللبيشمركة بـ(1500) دينار”، إذ كان يُنظر إلى من يرتدي زي البيشمركة كأشخاص أسطوريين ومقدسين.
وانتشرت مثل هذه العبارات الشهر الماضي عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال تظاهرات المعلمين والموظفين عندما نشرت صور كتبت عليها تلك العبارات في إشارة الى ان بعض الباعة قرروا بيع بضائعهم للبيشمركة بأسعار اعلى.
ومع ان أماكن هؤلاء الباعة لم تكن معلومة، إلا أن الصور كانت تستخدم كنوع من الغضب تجاه البيشمركة بعد تفريق المتظاهرين المحتجين عبر القوة ومقتل ثلاثة متظاهرين بسبب إطلاق النار من قبل القوات الامنية واصابة أكثر من (100) آخرين واعتقال أكثر من (500) شخص بعد العشرين من كانون الاول (ديسمبر)، الأمر الذي أعاد إلى الواجهة مسألة استخدام البيشمركة في حسم “الصراعات الحزبية والسياسية”.
وكان هناك كثيرون حتى بين القوات الأمنية غير مستعدين لاستخدام العنف ضد المتظاهرين وكان همهم هو بقاء البيشمركة والمواطن في جبهة واحدة رغم الخلافات.
ورفض النقيب دلشاد شكور من قوات الدفاع والإسناد خلال التظاهرات استخدام سلاحه ضد المتظاهرين ولم يقف عند هذا الحد فحسب بل طالب زملاءه البيشمركة بعدم تصويب أسلحتهم نحو المتظاهرين.
وقال دلشاد ان “السبب الذي أدى الى ان يضع الناس صورا او يكتبوا عبارات تسيء للبيشمركة، هم قادة الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، هم الذين فعلوا هذا بالبيشمركة، يعظمون البيشمركة متى ماشاؤوا ومتى ما أرادوا يجعلون البيشمركة عرضة لانتقاد الناس”.
وشدد على أن “جندي البيشمركة هو شخص عظيم، إلا أن الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لم يتمكنا من جعل البيشمركة قوة وطنية وجعلاها قوة حزبية يستخدمانها لمصالحهم السياسية”.
يرى دلشاد أن “المواطنين الذين يتحدثون الان عن البيشمركة بسوء، هم الذين كانوا يدعمون البيشمركة خلال الحرب ضد داعش ويلتقطون معهم الصور، لم يعد الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي بحاجة الى البيشمركة، اذ كان البيشمركة هم أول فئة يتسلمون رواتبهم اثناء الحرب ضد داعش، اما الآن فيؤخرون رواتبهم ويقللونها”.
وخاضت قوات البيشمركة طوال الاعوام الثلاثة الماضية معارك ضد داعش في كركوك والمناطق المتنازع عليها وقدمت نحو ألفي شهيد مع آلاف الجرحى، الأمر الذي دفع المواطنين الى التوجه الى جبهات القتال والتقاط الصور معهم، أما الآن فقد تغير الوضع.
استخدام قوات البيشمركة في الصراعات الداخلية ليس أمرا جديدا، فقد أدخلت هذه القوات خلال التسعينيات من القرن الماضي في الصراع السياسي بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي الأمر الذي تسبب في اندلاع الحرب الأهلية التي لا تزال آثارها باقية على الإقليم.
كما تم إخماد احتجاجات المواطنين في الاعوام الماضية عبر استخدام البيشمركة، ففي عام 2011 تم انهاء التظاهرات التي كانت تطالب بالخدمات والإصلاحات واستمرت شهرين عبر نشر قوات البيشمركة.
هذه التصرفات أدت الى امتعاض الناس من معاملة القوات الأمنية والمسلحة في العديد من المناسبات، الا ان هذه هي المرة الاولى التي تشهد انتقادات علنية للبيشمركة عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتتهم بانها تتعرض للمواطنين لصالح السلطة.
ولم تقف مسألة انتقاد البيشمركة عند ما يكتبه الباعة وأصحاب المحال، بل انتشرت في هذه الأثناء فيديوهات تظهر المواطنين في شوارع مدينة رانية (شرقي اربيل) وهم يعاتبون البيشمركة الذين يدخلون المدينة ويقولون لهم: “نحن نتظاهر من اجل قوتكم، فلماذا تقاتلون للدفاع عن السلطة”.
ويعزو قادر رزكائي عضو لجنة البيشمركة في برلمان كردستان استغلال قوات البيشمركة الى انعدام وجود المؤسسة العسكرية في كردستان.
وقال رزكائي: “لدينا قوات البيشمركة ومن الواضح أنها لم تنظم ضمن مؤسسة حكومية وان الحزب هو من يوجه البيشمركة حتى الآن، ولا نملك قوة وجيشا موحدا ومنظما يكون مجردا من الأجندات والشعارات الحزبية ولا يوجهه الحزب، ان الهيمنة الحزبية تسيطر على قوات البيشمركة”.
وشدد النائب على أن حقوق البيشمركة والمواطنين أيضاً مهضومة في كردستان وان مثل هذه الرسائل موجهة الى قوات البيشمركة حتى لا تواجه الناس وفي المقابل لابد للمواطنين أن لا يلجأوا الى العنف خلال التظاهرات.
وسميت القوات المقاتلة الكردية بالبيشمركة منذ الأربعينيات من القرن الماضي، الا انها كانت منذ ذلك الحين تابعة للأحزاب السياسية ولم تنظم في إطار قوات نظامية موحدة.
وشكل خلال الفترة الماضية (14) لواءً مشتركا من البيشمركة بلغ عددها (45) ألفا من البيشمركة حسب اتفاق بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فان تولى الاتحاد الوطني قيادة أحد الألوية فلابد ان يكون نائبه من الحزب الديمقراطي والعكس صحيح.
ولدى الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي بالإضافة الى هذه الألوية المشتركة، قوات خاصة بهما، فالاتحاد الوطني يملك وحدات (70) والحزب الديمقراطي يملك وحدات (80) ويبلغ عددها نحو (150) ألفا من البيشمركة.
محمود سنكاوي قائد محور كرمسير لقوات البيشمركة – كرميان وخانقين – انخرط في قوات البيشمركة منذ (48) عاما وهو يعارض استخدام البيشمركة لقمع التظاهرات لان البيشمركة هم “حماة مكتسبات مواطني كردستان وان من يقومون بالتظاهرات معظمهم من الذين يطالبون بحقوقهم من الحكومة، فالمواطنون لا يملكون لقمة العيش والرواتب والكهرباء” كما يقول.
سنكاوي قال: انه وللأسف “يتم استخدام البيشمركة في الصراعات الحزبية، فهذه القوات الموجودة الآن في كردستان تابعة لحزبين، لا يمكن ان تكون البيشمركة تابعة لحزبين، انا اؤيد حل البيشمركة وتشكيل قوات اخرى وان يتم فتح باب التجنيد للانضمام لقوات البيشمركة وان تحمي هذه القوات مكتسبات شعب كردستان وليس المكتسبات الحزبية”.
ومع ان هذه المرة قد تم استخدام عبارات تسيء للبيشمركة، إلا أن هذه القوات لم تفقد حب شعب كردستان نهائيا ويأتي هذا في وقت يرفض بعض البيشمركة تصويب أسلحتهم نحو المواطنين، فيما كان بعضهم يلعبون كرة القدم مع المواطنين في الأزقة خلال التظاهرات ويتابعون مباراة الكلاسيكو بين فريقي برشلونة وريال مدريد.
وكرد فعل على الحملة الموجهة ضد البيشمركة، قام العديد من اصحاب المحال والمهن الأخرى على عكس ذلك بتخفيضات كبيرة للبيشمركة حتى ان العديد من أصحاب سيارات الأجرة كتبوا على سياراتهم “تنقل البيشمركة مجاني”.
* عن موقع نقاش