القاهرة ـ ميدل ايست اونلاين:
يبحث كتاب “القصيدة العربية المعاصرة.. وتحولات النمط”، للدكتور علاء الدين رمضان عن اللغة في الشعر العربي الحديث، ويتناول دلالات تلك اللغة التي تؤديها، أما حدودها فهي جملة الأطر التي يقدمها البحث، أما فنياتها فهي ما تشمل عليه تلك الأطر، مدعومة بالنماذج الشعرية الدالة والموضحة لما تتعلق به من نظريات نقدية.
لقد اتخذ الشعر الحر قبل البدايات الفعلية له مسميات وأنماطا مختلفة كانت مدار بحث من قبل النقاد والباحثين، فقد أطلقوا عليه في إرهاصاته الأولى منذ الثلاثينيات اسم “الشعر المرسل” و”النظم المرسل المنطلق” و”الشعر الجديد” و”شعر التفعيلة”.
أما بعد الخمسينيات فقد أطلق عليه مسمى “الشعر الحر”، ومن أغرب المسميات التي اقترحها بعض النقاد ما اقترحه د. إحسان عباس بأن يسمى “بالغصن”، مستوحيا هذه التسمية من عالم الطبيعة وليس من عالم الفن.
ويضيف الكتاب: إن الشعر الحديث تعامل مع اللغة من خلال ثلاث دوائر رئيسية: أولاها: دائرة الدلالة والعلاقات اللغوية، وثانيها: دائرة البعد الاجتماعي للغة، وثالثها: الشكل واللاشكل.
وعن المعجم اللغوي، يقول المؤلف: المعجم اللغوي هو حصيلة ما لدى الشاعر من مفردات شعرية متداولة، وحدود تلك المفردات ونسبتها قوة وضعفا، ثراء أو افتقارا، إغرابا ويسرا، ثم أثر ذلك على التعبير الشعري، وهو جانب نقدي يدرس الاستعمال اللغوي الذي يعد من أبرز مظاهر الكشف عن الحداثة في اللغة لدى الشعراء.
وقد استطاع ابن رشيق القيرواني أن يصل إلى النقطة الفارقة بين لغتي القصيدة إرثا وحداثة، من حيث أسلوب الأداء وطبيعة النتاج، فيقول: “والعرب لا تنظر في أعطاف شعرها، بأن تجانس أو تطابق أو تقابل، فتترك لفظة للفظة، أو معنى لمعنى، كما يفعل المحدثون، ولكن نظرها في فصاحة الكلام وجزالته، وسط المعنى وإبرازه، وإتقان بنية الشعر، وإحكام عقد القوافي وتلاحم الكلام بعضه ببعض”.
وعن مفهوم الشعرية، يذكر الباحث: الشعرية مصطلح قديم في الثقافة العربية، نقل عن أرسطو، ونشأ مفهومه ومنهجه في ظل حجاج أصحاب دراسات الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم، وردهم على دعوى العرب بأنه شعر، محاولين إيضاح الفارق بين النص القرآني والشعر أولا، ثم قادهم ذلك في النظر فيما يفرق بين كلام وكلام، ونوع كلام آخر، ليصل الركب الجدلي بين يدي المعتزلة إلى قضايا من قبيل الصرفة وخلق القرآن، ويصل الركب الأدبي النقدي بين يدي عبدالقادر الجرجاني إلى قضيته النقدية الكبرى المسماة بنظرية “النظم”.
ويرى المؤلف: أن المصطلح الغربي للشعرية اختلف المتخصصون في فهمه وترجمة معناه، إذ يقابل المصطلح “Poetics” في العربية عدد كبير من المصطلحات منها: الشعرية والإنشائية، والبويطيقا، ونظرية الشعر، وفن الشعر وفن النظم، والفن الإبداعي، والإبداع، وعلم الأدب، وقد تعني الشعرية عند بعض الدارسين “فن صياغة اللغة في الشعر”.
وكثير من الباحثين والدارسين النقاد تصرفوا تصرفا عجيبا في ترجمة المصطلح، وقد كنت أميل إلى ترجمته بـ ”فن صياغة اللغة في النص”، لكن د. الغذامي اقترح استخدام مصطلح “شاعري” بدلا من “شعري” لأن الشعرية تستدعي الشعر بحركة زئبقية لا تستطيع كبح جماحها لصعوبة مطاردتها في مسارب الذهن.
والغذامي هنا يسير على خطى “هيجل” الذي أشار في كتابه حول الجمالية إلى “شاعرية” الأشياء من خلال حديثه عن “الصورة الفعالة”، ومايكل دموفون الذي حاول أن يعالج قضية “الشاعرية العامة” في كتابه “الشاعرية” ملتمسا أسبابها المشتركة في كل الموضوعات الفنية أو الطبيعية التي يمكن أن تثير انفعالا شعريا، وهو الاتجاه الذي ناصره “فاليري” محتجا له بقوله: “نحن نقول عن مشهد طبيعي: إنه شاعري، ويقول أيضا عن مواقف الحياة وأحيانا عن شخص ما: إنه شاعري”.
وفي خاتمة الكتاب، يذكر المؤلف: وفي ضوء استقراء ومطالعة نماذج الشعر العربي الحديث بمختلف أنواعه ومشاربه، يمكن أن نظفر بعدة أطر وأشكال شعرية، وكلها بارز وله دور مؤثر وفيه نماذج مقدرة لشعراء محققين:
أولا: الشعر التقليدي للشعر العربي إحياء لتراثنا العربي الأصيل، وهو مذهب تبنته مدرسة الإحياء.
ثانيا: الدعوة إلى الخروج على الأنماط الشعرية القديمة.
ثالثا: الدعوة إلى الشعر المرسل وجوهرها الخروج على وحدة القافية، وهي دعوة تبنتها مدرسة الديوان.
رابعا: الدعوة إلى الخروج على وحدة الوزن، بمعنى إباحة الحرية في استخدام أكثر من وزن.
وخامسا وأخيرا: الدعوة إلى الشعر الحر بمفهومه المعروف، وهو وحدة التفعيلة.
يذكر أن كتاب ”القصيدة العربية المعاصرة.. وتحولات النمط” للدكتور علاء الدين رمضان، صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، ويقع في نحو 398 صفحة من القطع المتوسط.