الإصلاح ما زال بعيداً

ما تمخضت عنه الجولة الرابعة لأهم معترك سياسي في حياة الدولة والمجتمع؛ انتخاب أعلى سلطة تشريعية ورقابية في البلد (مجلس النوّاب)، تكشف زيف كل ادعاءات التغيير والإصلاح، وتؤكد على حقيقة الإمكانات المحدودة والمتواضعة لنا كعراقيين في هذا المجال. وهذا ما أشرنا اليه مراراً وتكراراً، وعلى العكس من خلط الأوراق وعجاج الهرولات الذي انخرط فيه البعض، والذي حاول عبثاً لعب دور الإصلاحي الذي يمتلك البدائل الجاهزة لهذا الحال الذي يسير من سيء الى أسوأ، كما عكسته نتائج الانتخابات الاخيرة وتداعياتها وفضائحها، وعزوف الناس عن المشاركة الواسعة فيها. في مثل هذه النشاطات المفصلية في حياة الشعوب والأمم (مواسم الاقتراع) تفصح المجتمعات عن قدراتها وإمكاناتها الفعلية. وهي بالرغم من النتائج والمعطيات البعيدة عن طموحاتنا المنشودة عن مثل تلك النشاطات؛ إلا أنها كشفت عن هشاشة وضعف حالنا وأحوالنا السياسية والقيمية، وعجزنا عن الشروع بإجراء إصلاحات وتحولات تتناسب والمخاطر والتحديات المتربصة بتجربتنا الفتية هذه. من المعروف عن حركات الإصلاح الفعلية لا الاستعراضية؛ أنها تعكس بوادر عافية في جسد الدولة والمجتمع، وهذا ما لم نقترب من ضفافه، بالرغم من مرور خمس عشرة سنة على زوال النظام المباد وجمهورية رعبه التي أسسها على أشلاء أقدم الأوطان. لا شيء سوى حطام من البشر والقيم والحجر، يعيد “أولي أمر” حقبة الفتح الديمقراطي المبين تدويره مع كل موسم انتخابي، كما حصل في موسمنا الأخير. إن الحديث عن حصول تحولات نوعية وجدية داخل الكتل المتنفذة وخارجها، قد كنسته نتائج الانتخابات الاخيرة؛ فلا جديد سوى إعادة ترتيب صفوفها في بغداد ومناطق الوسط والجنوب والمناطق التي تخلصت من قبضة عصابات داعش، ولم يختلف الأمر كثيرا في مدن إقليم كوردستان، حيث اكتسح الحزبان التقليديان (البارتي واليكتي) صناديق الاقتراع، رغم أنف الكوارث التي حلت بالإقليم نتيجة سياساتهما البعيدة عن الحكمة والمسؤولية.
كما ان الحديث عن بدائل مدنية أو علمانية أو وطنية ديمقراطية، أصبح مملاً وبعيداً عما يحصل على أرض الواقع، وقد برهنت تجربة 4 أعوام لمن امتشق مثل هذه العناوين والتسميات، داخل البرلمان وخارجه؛ على زيف وهشاشة مثل هذه الادعاءات، وان المشوار ما زال طويلا ومريراً أمامنا لتأسيس وامتلاك مثل تلك البدائل الواقعية والحضارية، كونها تحتاج الى الكثير من أعمال الفكر والنشاط النظري والعملي كي تتبلور ملامحها الأولية. البعض ممن أدمن على نهج الهروب الى الأمام في مواجهة المخاطر والتحديات، لا يطيق مواجهة ما خلفته مواقفه وسياساته ومغامراته ودقلاته، من نتائج كارثية على ماضي وحاضر ومستقبل هذا الوطن المنكوب. لمثل هذا الواقع المأساوي أسباب وعلل، بمقدور المتابع الموضوعي التعرف على جوانب أساسية منها، عبر البحث قليلاً في الحياة الداخلية لجميع القبائل السياسية المتغولة منها والتي لا ترى بالمجهر الإلكتروني؛ إذ سيجدهم جميعهم ومن دون استثناء يعتصمون بمنظومة (الأب القائد ومسطرة أولاد الست وأولاد الجارية) فلا حياة ديمقراطية ولا حريات ولا تجدد ولاهم يحزنون..! لذلك ظلت كل خطاباتهم ويافطاتهم حول الهوية الوطنية والحضارية والحداثوية مجرد حبر على ورق، ولم تشهد تضاريس العراق أية انبثاقة أو ولادة فعلية للمشاريع الوطنية التي تنصر للهوية العراقية والحضارية الجامعة، وتكون امتداداً للإرث المشرق الذي عرفته الوطنية العراقية في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم، كي نتحدث عن الإصلاح والتغيير…
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة