واجهات لداعش واحدة

جمال جصاني

قبل ان يشهد العالم لحظة قلع الدبابة الاميركية لمارشال الاصنام في ساحة الفردوس، كانت الاوامر والتعليمات قد صدرت لفلول النظام المباد، من اجهزة قمعية وسرية وتشكيلات حزبية ومهنية وخطوط مائلة داخل التنظيمات والاحزاب والتيارات السياسية والدينية وباقي الشبكات الاخطبوطية المتسللة لمختلف حقول الحياة الفردية والجمعية للدولة والمجتمع، بالعمل وفق مقتضيات المرحلة الجديدة، والتي وعد ذلك الذي انتشل لاحقاً من جحره الأخير بتحويل البلد، الى أكبر جغرافية للعويل والخراب. ولم يمر وقت طويل حتى التقت الاجراءات المتخبطة والعشوائية لمن تلقف مقاليد الامور بعد «التغيير» وهذه السيناريوهات الجهنمية، حيث حسمت حزمة القرارات الارتجالية للادارة الاميركية ومستشاريها المحليين، أمر تردد شرائح واسعة من المنتسبين السابقين لـ (الاجهزة المنحلة) كي تلتحق مجدداً بخارطة الوظائف والمهمات والعناوين الجديدة.

طفح هائل من الواجهات والفصائل والمليشيات لم يعرف عنها قبل 9/4/2003 اي شيء، بسطت هيمنتها على مسرح الاحداث، وبالرغم من الكم الهائل للقذائف الدخانية التي رافقت انطلاق تلك الهرولات، الا ان الملامح الفعلية والبشعة لها لا يمكن ان تخفى على من ما زال يقبض على شيء من العقل والتوازن والوجدان وسط كل ذلك الزيف والعجاج والفوضى المبرمجة. مسلسل تفوق على المخيلة الهوليودية في تجسيد الرعب وفدرلة الروح الزيتونية للعصر المباد، تضامنت فيه الاجهزة السرية والعلنية لدول الجوار وما بعدها، حيث رفدت مضاربنا بكل انواع القيح المنحدر اليها من كل فج وارث ضحل. وكل من يتابع نوع المخلوقات التي تصدرت المشهد مثل البلطجي الاردني السابق الزرقاوي وغيره من النكرات السياسية والقيمية، يدرك نوع القوى والمصالح الفعلية التي تقف خلف هذه الفصول من الاحداث الغرائبية والبيارغ التلفيقية المهينة على المشهد الراهن. ان السقوط السريع لمدن ومناطق واسعة بيد ما يسمى بتنظيم داعش الارهابي، لا يمكن ان يكون أمراً مفاجاً أو نتاجاً لصدفة عابرة، بل هو امتداد طبيعي لسلسلة من الخطوات والسياسات البعيدة عن الحكمة والمسؤولية التي ميزت مواقف الكتل والزعامات المهيمنة على العملية السياسية منذ لحظة سقوط الصنم الى يومنا هذا.

ان الهزائم السياسية والعسكرية الاخيرة امام واجهات النظام المباد وفلوله وعسسه، تقتضي وقبل فوات الاوان مواقفاً وقرارات مؤلمة وشجاعة، تجبر من وضعتهم الاقدار العابرة في مراكز القرار العسكري والامني لتحمل مسؤولية كل هذا العجز الفاضح واتاحة المجال لقيادات مهنية ووطنية بمستوى التحديات المصيرية الراهنة، قيادات لا تخضع لتعويذة «الولاء والبراء» واكسسواراتها الصدئة، لا تخضع الا للمصالح العليا للوطن الديمقراطي الجديد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة