لأنني لم اكن موجوداً

أنمار رحمة الله

كان أخي أصغر مني بسنة واحدة، وهذا الفرق أعطاني المبرر لكي أمارس سلطتي عليه لأنني الاخ الأكبر، ولأنني أخلف أبي الذي مات في حرب سابقة، كنت أراقبه في كل مكان، في المدرسة، الشارع، المنزل، وحين يتجرأ على فعل حماقة ما، أهرول إلى أمي، وأشي بما فعل لكي ينال عقاباً.. كانت أغلبها حماقات بسيطة، تلك التي لا يترتب على وجودها ضرر جسيم. غير أنني لم أستطع منعه عن فعل الحماقة الأخيرة، لأنني لم اكن موجوداً. تلك التي حدثت بعد أن كَبُر وصار شاباً، حين جاءوا به محمولاً على الأكتاف في تابوت أنهكته كثرة الاستخدام، بعد أن أولج قناصٌ معاد في الحرب طلقةً في صدره.. حين رأت أمي التابوت تكومت عند الباب، وبكت بصوت متهدج متعب، لقد بكت أمي كثيراً، ولم يعد باستطاعتها المواصلة. ومن حسن حظها أن لديها ثوباً أسود قديماً، فصلت منه ثلاث خرق لثلاث صور، وصارت تجلس أمامنا وتبكي، أنا وأبي وأخي الصغير، بعد أن علقت صورته إلى جنب صورتينا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة