التعبير عن الذات بمشاعر خام

عن أربع كاتبات عراقيات

زاهر الجيزاني

نحتاج إلى مشاعر خام تعبر عن ذاتها وعما حولها بلغة خام، الكتاب المحترفون، يقومون بانتقاء الكلمات وتصنيع الجمل وضبط وحدة الموضوع، فلا نعثر في ثنايا كتاباتهم على الحب، والحزن، والفقد، والسعادة والرفض، والقبول، إلا وهي مغلفة بالأناقة الزائدة، والتهذيب المدرب المحسوب، وتشذيب الأشجار والحشائش وإزالة الأشواك والأحراش، فلم نعد نرى منذ زمن مشهداً طبيعياً كما في البراري التي تتناثر عليها، واحات صغيرة، فنشم عبق رائحة الشيح والقرنفل والسدر، روائح لم تمتد إلى أشجارها يد التشذيب والتصنيع والتحويل والانتقاء..

هذه نصوص لكاتبات عراقيات، فيها الحزن والحب والتوجع والرفض، مثلما تصدر من مشاعر كما هي..

إبتهال بليبل*

قلوبهم من زجاج

بلا عودة..

صاعدون نحو الرحيل بلا عودة..

يتوجسون الموت، يتجهون للمقبرة

قلوبهم من زجاج

انزلقت منهم فوق الرخام… فداستها ظلالهم المتلاشية…

أيتها الظلال اصعدي معي أنا ظلك اصعدي معي…

ثمة ألم يسقط هنا عميقاً، عميقاً

فاصعدي…مرّة أخرى،

لنجمع الصباحات التي سقطت من الذاكرة…

لنجمع الدموع التي بقيت خلفهم.

الذاكرة

يربكني الظل ذو العنق الطويل الذي كلما رتبت فوضى خزانة ثيابي العتيقة 

راح يعبث في الهواء بالأشياء المنسية. 

يربكني …هذا الظل المسمى: الذاكرة.

السلم

إنه صامتٌ في بيت ترعب جدرانه النوافذ المرتفعة.

أتأمل..

ركضتْ طفلة،

ركضَ أبي يحمل السماء فوق رأسه،

ويعبر إلى هناك..

يعبرني ظله

وتمتلئ قدماي به

ويقف فوق جُرحي، فتلتَف بِي

-هكذا تتشكّل خطواتي-

ولا أصعد.

هذا السلم:

أراه كثيراً مثل ذاكرتي.

لكن الفرق بيننا… إنني في كل مرة أسقط إلى أسفل.

وما في ذاكرتي يسقط إلى أعلى.

عامل «كورة النار»

هذه النار: مرآة عاكسة لظلي الهارب

ينام صخب رمادها

فتستيقظ ذاكرتي بلا ملامح

رأسي من دخان، قلبي من فراغ

وأصابعي بقيت على الجدران التي..

تصرخ حين يعبر صوتي وهو يتسع ويتسع في الصمت

يا الله..

هل أشبه عامل الكور هذا …انتظر احتراق شيء ما؟

*تكتب قصيدة نثر، صحافية، لديها بكالوريوس آداب – جامعة بغداد.

فرح دوسكي*

الرماد

لِمَ كثر الرمادُ، ومواقدي باردةٌ؟

لاتسلْ، عن جمرِ اللقاءِ وليلةٍ شتويةٍ

فقد شيعتُ أكفّ الهوا

حين استوطنني الذُبولُ

لاتسلْ

عن أزمنة جَسدي، المختنقةِ بالدخانِ

الدامعةِ برحيلِ النوارسِ

المنكفئةِ على أرصفةِ الانكساراتِ

موؤدةٌ قربكَ أجنحتي

تعدّ الغصةَ تلو الغصةِ..!!

الوقت أرملة

ثوبي النّرجسيُّ وبُكائي

وكلُّ البداياتِ المزدحمةِ باللّهاثِ

تنبعثُ غفلةً ترمّمُ وسائدَ الحلمِ

تصعدُ إلى السّماءِ، تحطّمُ سلسلةَ القيدِ

كلُّ السّنواتِ محنٌ، بصماتُكَ على الرّوحِ موسيقى تنتحبُ،

فوقَ خُطى السّائرينَ، تخلعُ ساعاتِ الأسرِ

وبقايا ظلٍّ شاحبٍ، يعبثُ بصوتِ الصّراخِ

يمنحُ الخطى منفى ومحناً، ضاقتْ بها الأرضُ

تبحثُ عنْ جبينِ الفجرِ،

وندى النّخيلِ الباسقاتِ

إشارات صامتة

كلما خطوتُ عمقاً

إلى أعماقِ التّفاصيلِ المكتظّةِ بي

أتيهُ عذاباً، إلى حيثُ الجنون

يُلبِسُني آماناً كنتُ أجهلهُ

وأنينَ إشاراتٍ صامتةٍ

أُحدِّقُ داخلَ سكونِ حُروفي

وحطامِ غمائمي

أُرافقُ اليتمَ الممرّغَ بالسّخامِ

على امتدادِ انحناءاتِ الحدودِ

يتأرجحُ رأسي

أتسلّلُ من نظراتِ الوجعِ الدّائمِ

أخلعُ عن جسمي ثوبَ أيّوب

أنتظرُ وجهاً

يطلُّ مِنْ على شرفاتِ العزلةِ 

وجهاً يطلبُ الانعتاقَ

يدفعُ بكفّيهِ ظلامَ الغزاةِ

ينيرُ فوانيسَ فرحي

أزهقني المخاضُ

وقهقهةُ الفراغِ، وضبابُ البوحِ

فوقَ ضفافِ دجلةَ

امرأةٌ، يخذلها الآخرونَ

*كتبت نصاً شعرياً طويلاً- «ملحمة الرقيم» نشر حلقات في صحيفة المثقف الالكترونية، تتحدث الانجليزية والكردية إلى جانب العربية، فازت قصيدتها»عشتار» العام 1998 في الأردن كأفضل نص نسوي في العالم العربي.

شذى عسكر نجف*

يناديني طيفك

طيفك

كخلجات النّسيم

ساعة الصّباح

يزيح قطيع كوابيسي

التي تجتر نبض وريقاتي……

كأنامل الحرير

تتسلل إلى أسوار عنقي

وتغفو على سهوب ثورتي تحت مرتفعاتي

تحت أزرار القميص المتشنجة

آنست فيها طيفك الذي

يلمس أجفاني الناعسة….

ويزيح الهموم من سويداء قلبي

شق دجى عتمتي…

ماظننت له فجراً

كدعاء الورد لملكة الورد

فلا شذى يسبق شذاي

*بكالوريوس علوم من جامعة الموصل، مديرة مدرسة ثانوية في كركوك، لديها مجموعتان شعريتان، سيصدران تباعاً.

نضال مشكور

عبر الأثير

حين

يتحدث الحبيب عبر الأثيرِ

تنصت آذان السماءِ

ترقصُ الكواكبُ

تلمع النجومُ

ويستدير القمرْ

وتتحول الحروفُ

الساكنة

إلى

نبضٍ

والنبضُ

إلى قلبٍ

والإنسان الآلي

إلى

حقيقي

والخرافةُ

والعدمْ

إلى

وجودٍ

وحياةٍ

وعِبرْ

*طبيبة لديها ماجستير من جامعة غرب لندن، ناشطة مدنية، عملت فترة طويلة في حقوق الإنسان، تعيش في كاليفورنيا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة