أمير الحلو*
تغني كوكب الشرق (أم كلثوم) في قصيدة (ثورة الشك):
أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني
ولأني (كلثومي) الهوى فأنا أرددها مع نفسي في المواقف التي تنطبق عليها أبيات القصيدة وخصوصاً المطلع، وقد شعرت بضرورة ترديدها في ظروفنا الراهنة التي نجد فيها أن الشك هو الأساس في تفسير الكثير من الأحداث والتطورات، وحتى في علاقات الدول والمكونات السياسية مع بعضها بعضاً، فلم يعد (تلاقح) الأفكار وإحترام الرأي الآخر موجوداً، بل لا بد من وجود (مؤامرة) وراء كل حدث مهما كانت طبيعته ومستواه، فأذا ما حصلت أحداث معينة فأن وراءها مؤامرة أجنبية، وإذا إتخذ أحدهم أو تنظيم ما موقفاً يعارض الآخر، فأنه ينفذ أهداف هذه المؤامرة وأبعادها .
ان الشك مطلوب إذا الغرض منه (التمحيص) في المواقف وعدم إتخاذ رأي سريع قد يكون بعيداً عن الواقع، ولكن ليس كل ما يقال أو يتخذ يجب أن يأخذ مأخذ الشك من الأطراف التي تتبناه أو تعارضه، بل أن الحوار هو المطلوب في حل الخلافات أو التوصل الى نقاط مشتركة على الطريق مع إحترام الآخر حتى لو لم يجر الإتفاق على مشاريعه أو سياسته .
وان أية نظرة على وسائل الإعلام عندنا وفي علاقاتها مع الحكومة أو المكونات السياسية الأخرى تؤكد لنا صحة ما قلناه عن وجود نظرية الشك والمؤامرة، فما يقوله كيان ما لابد أن يعارضه الآخر وتبدأ التناقضات في الأخبار والمواقف، ويبقى المواطن حائراً (مَن يصدق) وكل من هذه الأطراف يعرض أدلته وشواهده لتأكيد موقفه، ومن يتابع النشرات الإخبارية التلفزيونية يجد سواء في الأخبار أو الندوات انها تؤكد الشك في كل ما يقال من قبل الطرف الآخر وخصوصاً إذا كان موقفاً لا يرتضيه الطرف الآخر .
وهنا لا أريد أن أجعل هذه الخصلة خاصة بنا كعراقيين أو عرب، بل سمعنا مؤخراً عن وجود (نظرية الشك) في روسيا الإتحادية بعد الإنتخابات الأخيرة وظهور النتائج بفوز حزب بوتين، إذ خرجت الأطراف الأخرى في تظاهرات كبيرة وهي تشكك في النتائج وتعدها مزورة لصالح الحزب الحاكم، وبدأ منظر شوارع موسكو يشابه (ساحات التحرير)
في العديد من الدول العربية، ولكن الذي (أعجبني) في تظاهرات موسكو هو أن الشرطي يلقي القبض بـ(احترام) على المتظاهر ويأخذه من يده الى باص كبير جرى تجهيزه لهؤلاء الضيوف الثقلاء الذين كانوا يواجهون الإعتقال بإبتسامة والسير نحو مكان الإعتقال بهدوء وقبول …. بدلاً من رصاص الربيع العربي الذي يوجه أسلحته القاتلة الى كل من يعارض نظامه ….الأبدي !