إن كنت عابراً في روما

أمجد ناصر أمجد ناصر

بما أنك لن ترمي جذراً في الأرض ولن تميل كصفصافةٍ على ساقيةٍ فما جدوى النظرات التي ترسلُها شرسةً مرةً، ساهمةً مرةً أخرى، متضرعةً في نهاية المطاف، فلن تصطاد سوى ما بدرَ سهواً من يدٍ تحرَّكت على الطاولة أو وجهٍ تلفَّتَ، بلا قصدٍ، إلى الوراء، فليس بالنظرة وحدها مهما كانت طويلةً، مركزةً، أو حتى ميدوزيِّةً تغيرُ أيها العابرُ في روما عادات أهل روما. هذا ليس ديكوراً من الورق المقوَّى سيتداعى تحت نظرتك الكاسحة، إلمسه بيدك لتصدِّق أنَّ الأسباب تستجمع نفسها أحياناً، في ضحكة بلهاء أو قميصٍ مشجَّرٍ. أنت لا تعرف على أيِّ أساس تتعلَّق هذه المارّة كشهقةٍ طويلةٍ بذراع ذلك الذي يبدو لك قميئاً، ولا كيف يميلُ ذو الجِرم العظيم على تلك التي بنسمةٍ تطير، فليس بالنظرة وحدها، مهما كانت مدربةً، ثاقبةً، مركزةً، تستطيع تحريك ملعقة السكَّر في كوب قهوتها، إذ وحدك، على الأغلب، من يظن أنَّ تسبيلةَ رمشٍ أو انحناءة فارس يمكنهما مقايضة حياةٍ من لحمٍ ودم، فلا تقل إن ارتدَّت نظراتك كسيفةً إنه المال أو الشهرة أو حتى الحظ، فالعابرُ لا يتركُ وشماً على ذراع أو ندبةً على ترقوة ولكن تذكَّر، إن نفعت الذكرى، أنَّ الأسباب استجّمعت لك نفسها في روما أخرى بكلمةٍ واحدةٍ لا تعرف كيف هبطت عليك ولا كيف نطقْتها، لأن النظرات التي صُوِّبَتْ إلى التي ارتمت على ذراعك بكامل حِمْلِها من الخزامى طاشت سهامُها.

.. لا تفعل ما يفعل أهل روما
وإذ لا تنتظرك عائلةٌ على العشاء ولا حملةٌ لتأديب البرابرة وراء الحدود فماذا يفيدك أن تفعل في روما ما يفعل أهل روما. إجلس في مهبِّ السهام التي تتطاير حولك وانظر كيف ستخرجُ بلا خدشٍ تقريباً وخفيفاً حتى لو أودع الماضي أثقاله في قدميك، ففي هذا الوقت المتأخر لن تغير أيها العابر في روما ما آل إليه أهل روما، فلا تستغرب، إذاً، الهرج المائج في المقاهي ولا الأغاني التي تمجدُ الحبَّ لا الحرب فهذا زمنٌ آخرُ لا تخطو فيه الأشجارُ أبعد من ظلالها ولا تموتُ كسابق عهدها في القصائد، وابتسم، إن استطعت، في وجه اولئك الذين يظنون أنَّ الحياةَ خادمة العائلة المطيعة فعندما رأيت رجال البلاط يمشون بخطوٍ وئيدٍ أمام الجنازة المهيبة كان هناك من يشربُ كأساً مع سيدة في بيروت ومن ينيخُ جَمَلاً محمَّلاً بالملح في تومبكتو.

لا تبق في روما
يكفي أن قدميك حملتاك إلى روما. ليس مهماً أن تبقى في روما. لقد رأيت أكثر مما رأى أولئك الذين كانوا يلعبون معك في دساكر الإمبراطورية. رأيتَ النهرَ الذي سقى خيول الأباطرة، وأكلتَ ثماراً أكل منها الأبطالُ والخونةُ، الشعراءُ ومدبجو القوانين. مشيتَ في شوارع حجريِّةٍ مرصوفةٍ باليد، وعرفت عن قرب الجمالَ الذي تغذى بحليب العصافير. إن بقيت في روما لن تبقى روما. مسّد رأس هذا الكلب الهرم الذي أقعى بجانبك. فربما يكون الاشارة التي أرسلها اليك أوفيد من منفاه المظلم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة