البوكر” بنكهة عراقية”

علي حسن الفواز:

أن يفوز أحمد سعداوي بجائزة البوكر، فهذا يعني تميّز منجزه الروائي على المستوى الشخصي أولاً، وقدرة روايته الفائزة (فرانكشتاين في بغداد) على أن تكون بالمستوى الفني والجمالي والثيمي الذي دفع لاختيارها للفوز بالجائزة ثانياً..مثلما يعني هذا الفوز اعلاناً ثقافياً عن تاريخ جديد للرواية العراقية ثالثاً.

كل هذا يؤشر في جوهره حيوية ثقافية، تتجاوز كل الظروف المعقدة التي عاشها أحمد سعداوي، وعاش فضاءاتها المرعبة والمنهكة.. فضلاً عن الانكشاف على وعي واجتهاد شخصي بصناعة مميزة للرواية بهويتها المتجاوزة، وبخصوصية تلمساتها العميقة لمحنة الانسان العراقي واغتراباته الداخلية، وكذلك حيازتها على مهارة أسلوبية وتصويرية لتقانات الاشتغال السردي على مستوى صناعة المشهد، وتقصّي مكوناته، وعلى مستوى تشكيل الشخصية السردية، والتعاطي مع مقاربات الزمن والمكان الروائيين، إضافة إلى جديته في ضبط مسارات الصراع الدرامي، والسيطرة على النمو(التناوبي) للبناء السردي في رواية مكثفة الأحداث والشخصيات، حدّ القول بأن الهوية السردية التي اصطنعها أحمد سعداوي لشخصيات رواية «فرانكشتاين في بغداد»، باتت أكثر تعبيراً عن هوية المكان، وهوية العوالم الجوانية في بيئة صراعية كالعراق…مثلما هي صورة للهوية الواقعية الناجزة لسيرة الحياة العراقية المتورطة في مشغل صراعي مجتمعي هوياتي طائفي واجتماعي وسياسي في مرحلة مابعد الاحتلال الأميركي للعراق…

فوز أحمد سعداوي بجائزة البوكر لم يكن سهلاً، برغم أهمية روايته، وخصوصية موضوعها، ومهارة سعداوي في نقل البيئة الواقعية العراقية الى فضاء مفتوح للاستعارات السردية، اذ أن التنافس كان شديداً مع روايات مهمة لروائيين عرب، وبخبرات وتجارب وموضوعات مهمة، مع الخشية من حسابات غير ثقافية قد تكون مؤثرة على الخيارات، الاّ أن الانحياز للفني والقيمي، وللحساسية السردية الجديدة كان هو الفيصل في تحديد بوصلة الجائزة، من خلال اختيار القائمة القصيرة لجائزة البوكر، تلك التي عبّرت(فصاحة روائية)مختلفة كما وصفها د.عبد الله إبراهيم..

الحديث عن معطيات الجائزة وعن رمزيتها، يتجاوز ماهو مادي الى ماهو تاريخي، حيث الافصاح عن جيل جديد من الروائيين العراقيين، ليس بالضرورة هو(جيل المحنة) بقدر ماهو(جيل المغايرة) المغايرة بوصفها وعياً، وبوصفها تجاوزاً، وبوصفها انحيازاً للحرية، وشغفاً بالانوجاد داخل مجرى تاريخي يتجاوز الكثير من عقد الثقافة العراقية، وعقد(أدبيتها) التي ارتبطت بالصراعات الجيلية والصراعات الأيديولوجية، والانكسار أمام فوبيا السلطة والحرب والمنفى..

بروز الجيل الجديد الذي يمثل أحمد سعداوي واحداً من ارهاصته الشخصية يعكس الكثير من المتغيرات التي باتت ترسم أفقاً جديداً للصناعة الثقافية، وللسؤال الثقافي الذي يلامس أزمة الإنسان وقلق وعيه الشقي ازاء تاريخ(مسكوت عنه) طاعن في مدونات الرعب والخوف والكآبة والعزلة والمتاهة، مثلما يعكس هذا الجيل اصطناعاً لـ(نسق) بطولي أخلاقي ومعرفي وانساني يمكنه حيازة مجموعة حاكمة من الموجهات الطاردة لفوبيا(النسق المضمر)…

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة