الفوتوغرافي مثنى عبد الأمير يؤرشف الواقع البغدادي

فهد الصكَر
في دروب بغداد وحاراتها، وأزقتها العتيقة، هناك أغنية للتراث تتجلى في أكثر من وجع بغدادي الهوى، الصورة تكشف عن تراتيل شناشيل توقظ حكايات أمس جميل المعنى، حتى بناسه البسطاء، بل هم شكلوا تجاذب لحن بصري مع تشكيل التراث البغدادي، وموروثاته الأخرى.
من هنا، من تلك الأزقة المعبأة بالتراث بهويته الجميلة ينطلق كل صباح متنكبا كاميرته التي لا يمكن لها ان تغادره، ليقتنص اللحظات الأخيرة لأجمل شناشيل بغداد الآيلة للسقوط في أية حماقة لمقاول معتوه.
أنه الفوتوغرافي (مثنى عبد الأمير) المهووس ببغداد وأغنيتها وعلامتها الفارقة “الشناشيل” بكل مفرداتها عبر أزقة “البتّاوين، والشوّاكة، وشارع الرشيد، والميدان، وحواري الصدرية الرائعة “فيها يشم رائحة لا يعرف نكهتها إلا من توضأ بحب بغداد انتماءً.
أرشف الواقع البغدادي بما يحمله من جماليات، وأصبحت قضية حفظها وأرشفتها مهمة ضرورية لدى بعض المصورين الفوتوغرافيين الذين يقتنصونها بعدساتهم الذكية، حرصا عليها كصور في الأقل.
يقول مثنى: ترغمني المشاهد البغدادية المثيرة، المدهشة على التقاطها وتسجيلها ثم أرشفتها، أمثال الأزقة الشعبية وقت الغروب، وانعكاسات ظل الأطفال، والأتربة التي تتراقص على وجوه العتالين، وهي ترسم لوحة فائقة الجمال، كل ذلك ترك في داخلي رغبة لتدوين وتسجيل ما يدور في قاع المدينة الحزين في الأقل من وجهة نظري.
جسد الفنان مثنى عبد الأمير الأنسان وحالاته في الواقع، بصور متعددة، فهو يطرح بصمة تميزه عن الآخر من خلال زوايا عدسته، وأجد أن شخوص مثنى تشبهه تماما في قناعاته الراسخة، لكونه يرى نفسه في الآخرين ويذوب فيها، وفي مدينة أدمن حبها.
وسجل الفوتوغرافي مثنى عبد الأمير حارات بغداد ودروبها، سيما تلك التي تحمل بصمة تاريخية، مستحضرا قصص الأثر المعماري والشواخص الحضارية، مدونا ما يثير أحاسيسه لاقتناصه بعدسته بما يتناسب وحالة المكان الذي يعبق فيه نسيم الماضي الجميل، ويشدد على أرشفة الاماكن المتداعية والآيلة للسقوط، ليلفت نظر المعنيين بهذا الشأن، ويدعوهم للاهتمام بموروثنا البغدادي الاصيل قبل أن يصبح مجرد ذكرى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة