المالكي يريد إطفاء التمرد.. والسنة إلى وقف «التهميش»
بغداد ـ الهادر المعموري:
فيما توجه العراقيون نحو صناديق الاقتراع بحلول الثلاثين من الشهر الماضي ضمن انتخابات خيمت عليها أجواء العنف والتوتر الطائفي, كان واضحا سعي رئيس الوزراء العراقي الحالي لولاية رئاسية ثالثة، معتبرا نفسه المرشح الوحيد القادر على هزيمة التمرد المتنامي الذي يقوده تنظيم القاعدة.
لكن السنة العرب والاكراد يتهمون المالكي بتسلطه في الحكم فضلا عن ميله الطائفي نحو الشيعة.
ان من المحتمل جدا لهذه الانتخابات ان يكون لها تأثير كبير على مستقبل استقرار البلاد وحتى تماسكها ووحدتها ربما.
بعد مضي 5 سنوات من العنف الطائفي ما بعد الغزو الأميركي للعراق ربيع العام 2003, امكن للجماعات العرقية والدينية الرئيسية الثلاث في العراق, الأغلبية الشيعية العربية ومعهم السنة العرب والاكراد, امكن لهم التوصل إلى درجة ما من التعاون وتقاسم السلطة, لكن مع حقيقة تنامي المخاوف من انهيار ذلك كله الأن.
ان تدهور الوضع الأمني وتصاعد العنف في العراق, وحتى تزايد احتمالات تفكك البلاد, يمكن ان يكون له مضامين كبرى على المنطقة التي تعاني أصلا من خصومات بين مراكز القوى المتنفذة فيها, فضلا عن التوترات بين الطائفتين السنية والشيعية عدا عن الحرب الأهلية المستعرة في سوريا الآن.
يصح القول ان السياسة في العراق تهيمن عليها حركة التحالفات والكتل التي عادة ما تتجذر من احدى الطوائف أو الجماعات العرقية والدينية وحسب.
لقد جاءت قائمة دولة القانون التي يراسها المالكي بالمركز الثاني أثناء انتخابات العام 2010, تلك الانتخابات التي شهدت انقسام أصوات الشيعة بين كتلتين متنافستين.
وقد تطلب الأمر اكثر من 9 اشهر صعبة من المفاوضات العسيرة حتى رأت الحكومة النور, فيما تولى المالكي الولاية الرئاسية الثانية على رأس التحالف الشيعي المهيمن.
لكن منذ الانتخابات السابقة, عمد المالكي إلى تركيز مقاليد السلطة بين يديه, الأمر اكسبه الهيمنة على القوات الأمنية, فضلا عما يقوله البعض هيمنته القوية على السلطة القضائية المستقلة نظريا.
ويقول المالكي إن هذا الوضع مطلوب بغية التعامل مع مشاكل العراق, إلا إن العديد من السنة يقولون بالمقابل إن المالكي يتبع أجندة تميل إلى تفضيل الشيعة.
يؤكد هؤلاء إن العديد من الشخصيات السنية إنما تم اعتقالها ومحاكمة بعضها ضمن ما يسمونه بالمحاكمات السياسية.
إن تعامل المالكي المتشدد مع المظاهرات المناوئة للحكومة ضمن المحافظات ذات الأغلبية السنية تسبب في نفور اكبر لدى الطائفة السنية في العراق, الأمر الذي دفع بعض الجماعات الشيعية العراقية إلى التحول إلى الموقف الناقد للحكومة.
وفي خضم التوتر المتصاعد بين الأغلبية الشيعية والأقلية السنية, ارتفعت وتيرة التوتر الطائفي التي شهدت صعودا لافتا خلال العام الحالي, فحسب أرقام منظمة الأمم المتحدة, فأن ما لا يقل عن 7818 من المدنيين ومعهم 1050 من أفراد القوات الأمنية العراقية لقوا حتفهم خلال العام الماضي 2013.
وعلى ما يبدو, فأن هذا التوتر المتصاعد إنما يرتبط بتدهور الوضع في سوريا, ومعه هجوم الحكومة العراقية وقواتها على مخيمات الاعتصام السنية, فضلا عن الإحساس المتنامي بأن الحكومة العراقية لا تعامل العرب السنة بأنصاف, ما فتح الباب أمام تنظيم القاعدة وغيره لتعزيز مواقعهم في العراق.
إن أبناء العشائر السنة العراقية المعتدلين الذين قاتلوا ضد المتطرفين من أبناء جلدتهم وكان لهم دور مهم وفاعل في وضع الحرب الأهلية أوزراها قبل سنوات إنما بات ينظر لهم بعين الشك والريبة من قبل سلطات بغداد التي يهيمن عليها الشيعة.
وبدعم من اطراف الصراع المستعر في سوريا المجاورة, امكن لأفراد مليشيات القاعدة السنية المتطرفة من إن تحكم سيطرتها على بعض المناطق التي يهيمن عليها السنة في محافظة الانبار.
كما إن الوضع الحالي شهد تصاعدا مضطردا في عدد الهجمات الانتحارية التي تستهدف المناطق الشيعية, لاسيما قبيل الانتخابات.
ولا يزال الانتحاريون يمثلون خطرا عاما وشائعا في مناطق بغداد, لا سيما الشيعية منها مثل مدينة الصدر, تلك المدنية التي تعب أهلها وشعروا بالإحباط جراء فساد الحكومة وتدهور خدماتها العامة, فيما يرون الحل معتمدا على تحسن الوضع الأمني.
إن العنف المتنامي إنما هز ثقة العراقيين بمقدرة حكومتهم على تحقيق الاستقرار وحماية الناس, لاسيما في المناطق الشيعية.
أما المالكي, فقد رد بالترويج لإصراره على التعامل مع التمرد بكل الوسائل بما في ذلك القوة العسكرية اذا اقتضت الضرورة. غير ان المنتقدين يقولون إن هذا الوضع يحمل بين طياته خطر افتراق اكبر.
لكن هذا الوضع كله يصعب توقع عواقبه المستقبلية، فبالنظر إلى كون العراق يتحرك وفق نضام تمثيل مبني على المحاصصة بطريقة تعطي الأحزاب الصغيرة فرصا ضئيلة للحصول على مقاعد برلمانية, يصبح من العسير الفوز بأغلبية حقيقية قادرة على التصرف بمفردها.
ولاشك إن من سيؤول اليه امر حكم العراق إنما سيتقرر وفق مناقشات مطولة وتحالفات معقدة وعسيرة ستتبع إعلان نتائج الانتخابات.
إن فرص المالكي للفوز بولاية رئاسية ثالثة ستكون جيدة اذا ما امكن لقائمة دولة القانون إن تتحالف مع الكتل الصغيرة الاخرى التي تنافست معها في الانتخابات السابقة.
وقد كان خصم المالكي الرئيسي في تلك الانتخابات يتمثل في رئيس الوزراء العراقي السابق إياد علاوي الذي ما عاد ينظر له كمنافس حقيقي للمالكي خلال المرحلة الحالية وإن كان قادرا على التحرك بشكل جيد في الوسط السني.
لكن قائمة علاوي تفككت وباتت عبارة عن كتلة سنية صافية هذه المرة.
لذلك, فأن التهديد الرئيسي الذي يواجه المالكي يتمثل في الكتل الشيعية الاخرى, تلك الكتل التي يقود إحداها المجلس الإسلامي الأعلى الذي يركز على توزيع الثروة وتوفير الخدمات العامة. فيما يتمثل التهديد الآخر في كتلة الأحرار وحظوظها برغم انسحاب قائدها مقتدى الصدر من العمل السياسي في البلاد.
* عن وكالة الصحافة الفرنسية