د. علي شمخي
إذا صحت النتائج الأولية بتقدم رئيس الوزراء نوري المالكي وقائمة إئتلاف دولة القانون على بقية القوائم المنافسة التي سربها سياسيون ومراقبون شاركوا أو إطلعوا على نتائج الفرز الأولية في مراكز الإقتراع إذا صحت هذه النتائج وطابقت ما سيظهر لاحقاً من نتائج نهائية فان هذا يعني بأن العراقيين وغيرهم من الذين راهنوا على (التغيير) الجذري في نهج العملية السياسية في العراق سينتقلون من أجواء الوهم الى أجواء الحقيقة…!! ولطالما نبّه كثيرون من الذين دأبوا على تحليل واقع الخريطة السياسية في العراق قبل الإنتخابات الى عدم المغالاة في التبشير بمظاهر التغيير التي إتكأت على حزمة من الإنتهاكات والأخطاء التي إرتكبتها إدارة المالكي أو كان للمالكي جزء من مسؤولية وقوعها وفي مقدمة ذلك ملفات الفساد التي حاول البعض تقديمها كأولوية في سلم المسببات التي ستطيح بالمالكي وإئتلافه من دون أن يدرك هؤلاء واقع الخصوم المنافسين للمالكي وقدرتهم على تقديم الأنموذج الذي يمكن ان يكون أسلم وأنقى وأعدل من أنموذج المالكي .. ومن دون ان يلتفت هؤلاء الى مقبولية الكتل المنافسة للمالكي في صفوف العراقيين … وها هي نتائج الإنتخابات الأولية التي لا نريد أن نمنحها كل الشرعية الآن تفصح عن ثمة قناعات أو لنسمها خلاصات تتمثل بحقيقة بات الكثيرون يؤيدون في جانب كبير منها وهي أن (المالكي) الشخص قبل أن يكون المسؤول إمتلك (كاريزما) شخصية أثرت وسيستمر تأثيرها طويلاً في عقول وقلوب شرائح كبيرة في المجتمع العراقي إنطلاقاً من قناعات راسخة لدى الملايين بأن ما يعرضه المالكي من نتاج سياسي يمثل اليوم لهؤلاء توجهاً وسطياً بين الإسلام السياسي المتشدد وبين التيار العلماني المنفتح وهو بالتالي يقارب في هذا التوجه ما هو عليه من واقع في حياة العراقيين الذين ينبذون الإنغلاق والتديّن الشديد وفي الوقت نفسه يرفضون المساس بجوهر عقائدهم الدينية ويريدون من يؤمن بها ويسعى لحمايتها ويتخذها كمنطلق لبناء الدولة المدنية الحديثة … ولربما يعترض آخرون ويقولون هناك كتل وأحزاب بإمكانها تحقيق ما نقوله بشكل أفضل ويتساءلون عن السر في عدم حصولها على أصوات الأغلبية وهنا نقول .. ليس التوجه وحده كافياً لتحقيق الفوز بل أن الإنتخابات ميدان للتنافس في إبراز المهارات الشخصية والأداء والكفاءة في مواجهة الخصوم بالحجج وإستعراضاً للقدرة على الإقناع فهل فعل منافسو المالكي ذلك بإجادة تامة وهل تفوقوا على المالكي في ذلك .. ثم ان هناك ما هو مهم أكثر وهو أن المنافسين أو من يناصرهم من مرجعيات أو قادة مجتمع وقعوا في أخطاء لربما كان بعضها أخطاء قاتلة لم يتداركوها وكانت وبالاً عليهم في اللحظات الأخيرة .. وتبقى أشياء لابد أن ننوّه بها وهي ان هذه الإنتخابات جلبت لأول مرة وحسب النتائج الأولية لوناً جديداً سيزيد من مساحة الديمقراطية في العراق ويضفي على قبة البرلمان ضوءاً ساطعاً يتمثل بتصاعد حظوظ التحالف المدني الديمقراطي في المشاركة السياسية العراقية وستكون أصوات هذا التحالف حاضرة بقوة في المشهد العراقي في الأيام المقبلة .. والى الذين يريدون معرفة الإجابة على السؤال الأبرز والأهم والأقوى وهو هل سيتولى المالكي ولاية ثالثة في ضوء هذه النتائج الأولية..؟؟ وأجيب من غير ان نعرف من سيكون قادراً على تشكيل الحكومة المقبلة .. أتمنى لو ان رئيس الوزراء يرفض تولي هذه الولاية لو طلب منه وسيضيف المالكي بهذا الرفض رصيداً حياً ولربما سيذكره التاريخ بالرفض بشكل أفضل من القبول إتساقاً مع سجايا الإيثار التي فضلها ملوك ورؤساء دول على مر التاريخ …!!!