أمير الحلو*
لست من متابعي المسلسلات التلفازية لأنها تحتاج الى متابعة يومية تتعارض مع (نظام) القطع الكهربائي ما يجعلك حائراً أمام أحداث المسلسل فقد تنتظر أن يلتقي الحبيبان في الحلقة المقبلة ثم تنقطع الكهرباء لتجد البطلة في الحلقة الأخرى وهي ترتدي السواد ولا تدري كيف توفي حبيبها، هل بصدمة كهربائية أم مرورية أم بتفجير عشوائي أو مقصود؟ لذلك فأنا (محترف) مشاهدة الأفلام السينمائية عن طريق القنوات المتخصصة بالسينما فبعد ان أنهي (المرحلة السياسية) من أخبار وتعليقات من قبل فطاحل المحللين السياسيين الذين لم نسمع بأسماء أكثرهم من قبل
وأشاهد الندوات (القتالية) التي يتناول خلالها المتحاورون (أجمل) العبارات وأكثرها أدباً في حوار ديمقراطي على الطريقة الحديثة التي تتطلبها (ضرورات المرحلة الراهنة)! أبدأ بمشاهدة أكثر من فلم حتى ساعة متأخرة من الليل، أما الإستثناء فهو مسلسلة (أم كلثوم) التي كتبها محفوظ عبد الرحمن فقد شاهدتها كلها مرات عدة.
ان غرضي من كل هذا الحديث (السفسطائي) هو كيفية ربط المسلسلات بالأحداث التاريخية المصاحبة لها، فقد كان مسلسل (أم كلثوم) يركز في محوره على حياة أم كلثوم مع إبراز أهم الأحداث السياسية التي رافقتها فظهر الملك فاروق وجمال عبد الناصر بصورة طبيعية وغير مفتعلة ولها علاقة بالمسلسل. حرضني بعضهم على مشاهدة مسلسل عن حياة المطرب عبد الحليم حافظ في شهر رمضان، ومن الحلقة الاولى لم يعجبني الممثل ووجدته (واهناً) مفتعلا لدوره، ولكني شاهدت بعض الحلقات بشكل عرضي غير مقصود من قبلي، وقد لاحظت ان المسلسل قد ركز على الأحداث السياسية أكثر من عبد الحليم حافظ أي عكس ما حدث في مسلسل أم كلثوم فقد كان القائد الراحل جمال عبد الناصر هو بطل المسلسل إذ إستعرض كل مراحل حياته السياسية حتى فقدان الأثر له .. ومن المعروف ان المؤلف سواء أكان للكتاب أم الفيلم أم المسلسل يدرس المرحلة التاريخية ويحرص على إظهار الأحداث بشكل صادق وبحسب ما هو مدوّن في المراجع التاريخية، ومن المعروف أن ثورة 23 تموز في مصر ما زالت وقائعها (ساخنة) وجرى الكتابة عنها كثيراً لذلك فمن غير المسموح للمؤلف ان يخطئ في الأحداث وكيفية سردها، لذلك لم أتجاوب أيضاً مع الحلقات التي شاهدتها (غصباً عني) من مسلسل (حليم) بعد ان لاحظت بعض الأحداث المعروفة تعرض خطأ و منها ان جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر كانا يلبسان الزي المدني ليلة الثورة حتى لا ينكشف أمرهما وهما يتجولان في القاهرة، فعبد الناصر كان مدرساً في كلية الأركان ومن غير المبرر ان يلبس الزي العسكري في منتصف الليل، ولكن المسلسل أظهرهما بالملابس العسكرية في سيارة عبد الناصر القديمة، كما ان الضابط اليساري يوسف صديق قام بتنفيذ أهم مرحلة في صفحات الثورة وهي إحتلال مبنى الأركان العامة وإلقاء القبض على القيادة العسكرية، ولكنه نفذ الواجب قبل ساعة من الموعد المقرر وكاد أن يكشف الثورة بتصرفه ذلك (لعله أخطأ بين التوقيتين الصيفي والشتوي عندنا) ولكن المسلسل أظهر ان عبد الناصر وعبد الحكيم عامر كانا مع يوسف صديق عندما، إقتحم مبنى الأركان وأطلق يوسف الرصاص على قدم الحارس الذي رفض فتح الباب الأمامي والحقيقة ان ناصر وعامر فوجئا عندما وصلا مبنى الأركان وان يوسف صديق قد أنهى واجبه تماماً وألقى القبض على القيادة العسكرية كما ان ناصر إستعمل المصعد للوصول الى غرفة النوم ولم يصعد الدرج كما ظهر في المسلسل لأنه ممنوع من ذلك وجرى نصب المصعد لهذا الغرض. أقول ذلك ليس تصحيحاً لأحداث الثورة المصرية كما نعرفها، وانما للقول بأن كتابة التاريخ يجب ان تستند إلى الوقائع الحقيقية خصوصاً إذا جرى تحويلها الى عمل فني، فلا يجوز التلاعب بالتاريخ من قبل كاتب فني وليس سياسياً، لذلك أقول ومع حبي لأغاني عبد الحليم حافظ إبن الثورة المصرية الأم فان المسلسل كان فاشلا برأيي فنياً وسياسياً ولا أعتقد انه سيبقى في الذاكرة كمسلسل (أم كلثوم) الذي شاهده كل العرب وهم يريدون مشاهدته في كل وقت لروعة كتابته وإخراجه وتمثيله مع صوت (ست الكل) وهي تشدو (أروح لمين)!