المغامرة الخطيرة

-1-
في كتب الأدب حكايات قد لا تُصدّق لغرابتها ومنها :
قصةُ شاعرٍ قَصَدَ ابن المهلب داود ليمدحه فما كان من ( داود بن المهلب) الاّ ان قال له :
” قُلْ :
فإنْ أحسنتَ حكّمْناكَ ، وإنْ أسأءتَ قتلناك “
قال له ذلك بعد أنْ تقلّد سيفه ..!!
وأيَّ غرابة أكبر من أنْ يكونَ جزاءُ الشاعر المادِح القتل لمجرد أن قصيدتَه لم تلق هوىً في نفس الممدوح ؟!
-2-
وهنا تبرز الثقة بالنفس الى الحدّ الذي قَبِلَ به الشاعرُ هذه المغامرة الخطيرة ،
ولاشك أنَّ الثقة بالنفس لا يحظى بها الاّ الواثقون ببراعاتهم وابداعاتهم من الموهوبين .
وهكذا قَبِلَ الشاعر التحدي واستعد للانشاد .
-3 –
غير أنَّ الشاعر بقي اسمُه مجهولاً وعُبّر عنه ( بالأعرابي ) …
وهذا ما يُوهن الرواية ويُضْعِفُها ، ذلك أنَّ مَنْ يقابل هذا التحدي لابُدَّ أنْ تسلط عليه الأضواء فلماذا غاب اسمُه وأفل نجمُه ؟!
-4-
وعلى كل حال :
فان ( الاعرابي ) أنشأ يقول :
أمنتُ بداودٍ وجُودِ يمِينِه
من الحدث المخشيِّ والبؤسِ والفَقْرِ
فأصبحتُ لا أخشى بداودَ نُبْوَةً
مِنَ الحَدَثان إذْ شددتُ به أَزْرِي
له حُكْمُ لقمانٍ وصورةُ يوسفِ
ومُلْكُ سليمانٍ وعَدْل أبي بكرِ
فتىً تفْرَقُ الأموال مِنْ جود كَفْه
كما يفرق الشيطانُ مِنْ ليلةِ القَدْرِ
فقال داود بن المهلب :
قد حكمّناك ،
فانْ شئتَ على قَدرِكَ
وإنْ شئتَ على قدري .
قال الاعرابي :
بل على قدري .
فأعطاه خمسين ألفاً .
فقال له جلساؤه :
هلاّ احتكمت على قَدْر الأمير ؟
قال :
لم يكُ في ماله ما يفي بِقْدِره .
قال له داود :
أنت في هذه أشعر منك في شِعْرَك وأمر له بمثل ما أعطاه .
ان العقوبة هنا هي الإعدام اذا لم تكن القصيدة مقبولة عند الممدوح ، بينما كان بعض الولاة يأمر بأخذ الشاعر الذي لا يرضى شعره الى أحد المساجد ليؤدي ما يفرض عليه من الصلاة ..!!
-5-
ولقد مدح شفيق الكمالي الدكتاتور المقبور بقصيدة قال فيها :
لولاكَ ما خُلق البشرْ
لولاك ما طَلَعَ القمرْ
ولم تشفع له هذه القصيدة اذ تمت تصفيتُه بعد أنْ أُدخل في قائمة المناوئين ( للقائد الضرورة ) .
فما هُدّد به الشعراء من القتل لم يقع، الاّ على يد الطاغية التي فاق الجبابرة والطغاة بأسرهم، ظُلماً وعدوانا وغلظة وشراسة، فقتل حتى مادحيه ..!!
ومع هذه النزعة الدموية الضارية فهناك أزلام وأيتام يواصلون نواحهم عليه حتى الآن ..!!
في مفارقة غريبة تشي بعمق الانحدار الى الهاوية، وانعدام القدرة على التمييز بين العدل والظلم وبين الصواب والاضطراب.

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة